استيراد القات .. ياللهول

> حسام محمد سلطان:

> ذهلت عند قراءتي الخبر القصير المنشور في عدد السبت الماضي من صحيفة «الأيام» عن المشروع الحكومي الذي أكدته مصادر مطلعة لـ«الأيام» عن قيام الحكومة بدراسة مشروع لاستيراد القات الهرري من إثيوبيا.

سبب ذهولي وحزني الشديدين هو اعتقادي أن القات هو مجال اختصاصنا وتفوقنا الوحيد في عصر التعددية والديمقراطية، حيث بلغت شهرة اليمن الآفاق في حب الشعب اليمني لهذه النبتة واستعداد المواطن اليمني وإخلاصه وتفانيه في توفير قيمة شراء القات بصفة يومية له ولأفراد أسرته وإضاعة ملايين ساعات العمل اليومية- بالمجموع كشعب- في تعاطيه ومعاقرته. حتى المواطن الفقير المسكين يبذل قصارى جهده لتوفير (حق القات) بطريقة أوبأخرى، فلا تكاد تذكر اليمن في الخارج إلا ويذكر معها شيئان؛ القات والفساد، حتى ليخيل للمرء أن هناك رابطا ما بينهما والعياذ بالله.

إذا كان هذا حالنا مع القات.. فمن المنطقي والبديهي أن نكون الرواد في تصدير القات وترويجه لبقية شعوب الأرض وتسويقه على أنه نبته بريئة تساعد الطالب على الدراسة والمدرس على التحضير والطبيب على التشخيص والأديب على الإبداع ورجال الأعمال على عقد الصفقات والسياسيين على الالتقاء بالمواطنين وجس نبض الشارع.. لكن قراءة الخبر تفيد عكس ذلك تماماً، حيث يشتم من الخبر فشلنا في إيجاد بدائل للقات فرحنا نبحث عن استيراده.

قد يقول قائل إن الغرض من دراسة هكذا مشروع هو استراتيجي بحت، فبعد أن ثبتت فوائد القات على شعب (الإيمان والحكمة) وجب التحوط للمستقبل من احتمالات تأثير شح المياه على هذه النبتة اللطيفة، كما أن مجرد التفكير في (انفصال اليمن عن القات) يكاد يرقى إلى مصاف الخيانة العظمى لثوابت الأمة، لذلك كان من الضروري إعداد الخطط والدراسات حتى إذا ما جاءت الطامة ونقص إمداد القات إلى أسواقنا العامرة بدأ تفعيل الخطة البديلة باستيراد القات الهرري من إثيوبيا.

يالها من سياسة حكيمة وحنونة، ولكن فاتها أن هناك مئات الآلاف من المنتفعين من نبتة القات مابين زارع وموزع وبائع ومحصل ضرائب، كل هؤلاء لا يهمهم شح المياه أو المبيدات المسرطنة أو انتشار الأمراض.. كل ما يهمهم هو أن لا ينقطع مصدر دخلهم وعائل أسرتهم الوحيد(القات).

عجباً من هذه السياسات وياللهول من هكذا تفكير، فعوضاً عن القيام بدراسات عن كيفية التخفيف من تأثير القات على هذا الشعب الطيب والبسيط، وكيفية الحد من انتشار زراعته والتقليل من تعاطيه بين الشباب والأطفال نقوم بدراسة من أجل إيجاد بدائل باهظة الثمن وعالية التكاليف من أجل الاستمرار في تعاطيه.

قد تجد فكرة استيراد القات الهرري من إثيوبيا صدى عن البعض ممن لديهم القدرة على شراء القات بأي ثمن من الميسورين، ولكنها قطعاً ليست الحل للمشكلة، المشكلة التي أعنيها هي مشكلة شحة المياه وانتشار الأمراض المختلفة.

الحل لا يكون إلا بالبرامج التدريجية الجادة للحد من تعاطي وبيع القات وإلا فإنها الكارثة بعينها. لماذا لا يتم الاستفادة من تجربة اليمن الجنوبي سابقاً في منع القات أياماً معينة في الأسبوع وليكن يوماً واحداً فقط رحمةً ورأفةً بالبلاد والعباد ثم التدرج ليومين بعد فترة معينة بدلاً من الحلول المهينة لتاريخ وعراقة شعب أصيل كالشعب اليمني.

هذا المنع يجب أن يكون بالتوازي مع إيجاد بدائل حقيقية للشباب ودعم مادي مؤقت لبائعي القات ومورديه، قد يكون هذا الاقتراح مغرقا بالرومانسية والبعد عن الواقع، ولكن ماهو الحل البديل، بالتأكيد ليس استيراد القات، فتأثير القات السلبي لا يحتاج إلى دليل أو إلى سرد أرقام وحقائق على كثرتها والحديث عنها أصبح مملا، العجيب هو غياب الجدية في التعامل مع هذه المشكلة بصدق وبصيرة وكأن أخطر آثار شحة المياه على اليمن هو تأثيره على زراعة وجودة القات.

استيراد سلعة (استراتيجية) كالقات من أي دولة هو أمر خطير، تخيلوا لو أن إثيوبيا قررت التوقف عن زراعته أو تصديره، ما العمل عندئذ؟ ربما استيراده من الصومال أو بناء محطات نووية لتحلية مياه البحر من أجل سقي نبتة القات الضرورية لبقائنا.

يجب التخفيف والتقليل من (استراتيجية) القات في حياتنا اليومية قبل التفكير في استيراده من هنا وهناك. فاستيراد القات سيزيد من قيمته ومن ثم سيضاعف من تأثيراته الاجتماعية والاقتصادية السلبية وصعوبة الحصول عليه، لا أدري قد يكون هذا هو المقصود من أجل القضاء على انتشار القات بيننا.

إذا كان هذا هو الهدف فأنعم به من قرار حكيم وأما إذا كان الغرض هو إيجاد بديل وإن كان باهظ الثمن حتى لا يُحرم الميسورون من نشوتهم فاحذروا من ثورة المقوتين والموالعة.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى