قصة قصيرة .. دماء.. و بندورة

> «الأيام» أحمد سعيد الماس:

> كان صباحاً شتوياً بارداً.. وتلك الساحة المواجهة لدارهما تعج بشباب المقاومة، بزيهم الأسود الموحد، كانوا يستعرضون قدراتهم بحركات تدريبية عسكرية، وبأصواتهم الجهورية راحوا يرددون نشيدهم الأزلي المعادي لإسرائيل.

انتصف النهار، وبدأت البرودة تخف شدتها، عندها انفتح باب الدار الموصد من الداخل، وإذا بشبح فتاتين صغيرتين توأمتين، إنهما جميلتان تتشابه ملامحهما كأي توأم.. تخرجان وقد ارتدتا كنزات صوفية بخطوط أفقية زاهية الألوان، واعتمرتا قبعتين صوفيتين شتويتين لتحميا رؤوسهما من الصقيع.. راحتا بحركات طفولية فرحة تلعبان وتركضان هنا وهناك، وفي وسط لعبهما صرخت إحداهما قائلة:

- أنا جوعانة.. باروح للماما تعطيني شقفة خبز وأعوِّد.

ردت عليها الأخرى بالإيجاب، وأخبرتها بألا تتأخر عنها كي يكملا لعبهما معاً.. أسرعت نحو دارها راكضة بخطواتها القصيرة.. فتحت بابه بدفعة من يديها الصغيرتين ودخلت.. بقيت هناك لبرهة قصيرة من الوقت، وأختها ما تزال تلعب وحدها هناك دونها.. وفجأة وعلى حين غرة من الجميع سمع ذلك الصوت قوياً مدوياً، اهتزت له المباني التي تحيط بالساحة وعند تلاشيه عادت إليها وهي تحمل بيديها ثمرتي بندورة وهي لا تعلم بما حدث.. كانت تقضم واحدة بفكيها وتمد بالأخرى لأختها التي لم تمد بدورها يدها لتأخذها منها!.. كانت مرمية ومضرجة بدمها دون حراك، والدماء لم تزل تسيل من رأسها، وتنزف خلال كنزتها الملونة من كل جسمها.. وتلك الساحة قد غصت بجثث وأشلاء أولئك الشباب الذين كانوا هناك عندما أطلقت إحدى المروحيات عليهم غدراً صاروخاً أحدث دوياً وتناثرت شظاياه لتقتل من تطاله وتجرح البعض ، وقد اصطبغت الساحة بلون الدماء .. ظلت تنادي وتحث شقيقتها لأخذ البندورة من يدها قائلة لها:

-الماما قالت واحدة ليكي بندورة وواحدة ليا.. خذي.

لم ترد عليها ولم تفتح جفنيها، وقد انسحبت الحياة منها وسكنت حركتها تماماً!!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى