قصة قصيرة .. بنطلون الإغاثة

> «الأيام» نشوان محمد العثماني:

> صراخ وعويل، البلدة مازالت ترزح تحت النار، فرق الإنقاذ على قلتها وشحة الإمكانية تهب لمساعدة الجرحى وانتشال الضحايا، هي الأخرى لم تسلم من الأذى، الموت رابض على كل شيء.

جميلة، ولا تزال بكراً، كنت بالقرب منها في المعاناة ذاتها، أراها تتخطى الحواجز تعلق بالأسلاك، بنطالها الأمغر يعيق حركتها، بذلتها ضيقة على جسدها تبرز أشياءها الفاتنة، الجو ملبد بالفسفور الأبيض، والسؤال يلح: أهي موضة فضلت الانحشار فيها؟ أم أن ظروفاً فرضت ذلك؟ ممن؟ أقصد لم بذلتها ضيقة هكذا؟.. منذ أسبوعين حل الدمار ضيفاً ولم يرحل، أفكر فيها، سر البنطلون، جمال الأنوثة، تُركت دون أن يُلتفت إليها. لحظتها تبكي، تتألم بصمت. لم تطلق صوتها لاستجداء رحمة أحد إزاءها، صباح مساء، كل الوقت، الأرض مبتلة. الأرواح تتطاير الأطفال يسقطون، رأيت طفلاً يقتل في حضن أمه، حفرتْ له، وسّدتْه مثواه، أهالتْ التراب واجثت تنوح، لا خيار.

خجلت، احمر خداي لم أستطع، أجرؤ، أتمكن من صنع شيء، لم تلحظني، لم تشأ، استحسنت ذلك، فضلته كثيراً، بداع من الوقاحة، الانحطاط، الذل، الضعف، ظللت أنظر لها، لكأني أتشفى بجراحها، كبريائها، علمتني كم أنا حقير.

خلف السياح الحاجز بيننا، السماء تجلجل بإرعاد الطائرات، الأرض تهتز لسقوط القنابل. رابطة الجأش بقت، اختفيت عنها.

فكرت بأكبر مساعدة. اشتريت بنطلونا أكبر حجماً. عدت للمكان نفسه، أرقب الأحداث أريد التسلل. خوفي يمنعني، أشياء كثيرة تقف أمامي، سأرسل به حين فتح المنافذ، بقيت أنتظر، وأنتظر، طال الانتظار. مع أول شحنة في الطريق إليها سلَّمتُ مساعدتي،استرحتُ. فعلت شيئاً.

جاءني الخبر أن ساقيها الجميلتين بترتا، وأنها على كرسي الإعاقة تعتب على شخص كان يراها ولم يمد لها يد العون والمساندة.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى