المحضار ترجمة القلوب

> «الأيام» محمد أحمد عبدالرحيم باعباد:

> تمضي بنا السنون فيمر عام ويليه عام منذ رحيل شاعرنا الكبير السيد حسين أبوبكر المحضار في الخامس من فبراير 2000م مساء السبت 30 شوال 1420هـ.

وآلام الذكرى تتجدد فتثير في وجداننا الأحزان الدفينة فتتدفق من الأعين دموع الحب الساخنة وحسرة الفراق تزداد كلما دق الجرس معلناً بيوم رحيله.

واليوم وقد مضى على رحيله ثماني سنوات هذا الشاعر الكبير المعبر عن ضمير شعبه في كثير من المواقف فلم يكن مجرد شاعر عاطفي فقط ، فمواقفه الجليلة لا تحصى ولا تعد مع الناس غيور على وطنه بأحاسيسه نحو شعبه ووطنه وما يملكه من حس وطني، كما أنه ودود لايعرف التكبر والتعجرف فيتعامل مع الناس البسطاء بكل الحب والتواضع رحب الصدر وطيب الخاطر .. هذا الشاعر الذي استطاع أن يستمد قاموسه في الشعر ليصوره من البيئة المحلية والشعبية وهي المصدر الوحيد لثقافته كأي شاعر شعبي، ولعله يختلف كثيراً عن الشعراء الشعبيين بحكم منبته الأسري وعلى جانب حسن الاطلاع في الأدب والتاريخ وصنوف المعارف الأخرى وباطلاعه وقراءته في دواوين الشعراء المعروفين مثل عنترة والمتنبي وغيرهم ومما يدل على ذلك رائعته التي قالها في ذكرى المؤرخ والأديب والفقيه الشاعر عبدالله محمد باحسن مشيراً إلى مصادره في الشعر وبصورة غير مباشرة نجده يشير إلى نفسه وماحذاه حذو هذا الشاعر الفقيه المؤرخ باحسن حين قال :

من روح ثغر الشحر جابه مافتح ديوان عنتر

من مدرسة معلاق من قاموس بن حيمد وقشمر

من صوت سعد الزين من سواد من نغمة مقمَّر

من شيخ محفوظ العطيشي من قصد مرتع أبوزيد

هذه الأسماء التي أوردها الشاعر المحضار من الشعراء الشعبيين الذين عاشرهم وتأثر بشعرهم في الشحر وغيل باوزير في شرح الهبيش وجلسات الدان والألعاب الشعبية المختلفة بحضرموت الساحل أو كان في الوادي سيئون، وليؤكد ذلك في قوله :

من محراث الحراث ذي هو من صلاة الصبح بكّر

من هوري البحار والصنبوق ولا جحّب وكوّر

من همة العامل إذا شد المشدة أو تعصّر

من ناس عاشوا في ضنك وتنكدوا في العيش تنكيد

هذي مصادر باحسن والشعب ما أعظمه مصدر

والشاعر الشعبي يحصّل فيه مطلوبه وأكثر

من هذه الأبيات نعرف أن الشاعر الشعبي يصوغ شعره الشعبي من عناصر ومواد البيئة المحلية ومفرداتها الشعبية القوية الإيحاء .

كما أننا إذا قرأنا قصائد الشاعر المحضار في دواوينه نجدها تحتوي على معجم واسع لاسيما المناطق والمدن والقرى والأحياء في محافظة حضرموت بشكل خاص بالإضافة إلى بعض المحافظات الأخرى في أنحاء اليمن، وهذه المعالم التي يذكرها المحضار متلذذاً لحبه لها فيطيب له ذكر المحبوب بربطه بالوطن حين يحلو ويسلو به في المقيل والسمر قائلاً :

باشل حبك معي بالقيه زادي

ومرافقي في السفر

باتلذذ بذكرك في بلادي

في مقيلي والسمر

وانته عسى عاد باتذكر ودادي

وإن قدتنا سيت ياما ناس جم مثلك تناسوا الوداد

في خير انته وانا بانلتقي في سعاد

إننا إذا عدنا نتصفح دواوين شعر الشاعر المحضار: دموع وابتسامات وأشجان وحنين العشاق، نجد كثيرا من هذه الأغاني مستوحاة من تلك الربوع التي يعيشها في أرض الوطن مثل الشحر (سعاد)، المكلا .. الغيل، شبام، دوعن ..دمون .. سيئون وأحيائها تجمعه فيها مع الشعراء يتردد ذكرها مثل : الطويلة .. القرن التي لها ذكريات غالية في مقايلها ومسامرها يحركه الشوق إلى سيئون نسمعه يقول :

لازادك الشوق والحنّه

أعزم ورد رأسك قدا سيئون

وعلى وجه الإجمال لاتسطيع وأنت تستمع إلى أغاني المحضار إلا أن تعيش في إحساساته المرهفة متتبعاً لها متأثراً بها وبسحرها ترجمة لما يعيشه من حب ولوعة وترجمة لما تعيشه قلوب الناس في الحياة .

هكذا عشنا مع الشاعر المحضار (رحمه الله) في رحلته الطويلة مع الشعر والفن الحافلة بالعطاء والإبداع أكثر من أربعين عاماً لنودعه يوم رحيله من الحياة الدنيا والدموع من المقل سيالة على حبيب افترق شملنا وشمله، ولا اعتراض على قضاء الله ندعو له بالمغفرة والرحمة من الله وأن يسكنه فسيح جناته إنه سميع مجيب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى