أخاف أن تكون جولدا على صواب...

> «الأيام» فتحي بن لزرق:

> قبل أيام كنت أتحدث مع إحدى مدعيات الثقافة عن شئون الثقافة والBدب وساقنا الحديث إلى رواية «أولاد حارتنا» للكاتب المصري الراحل نجيب محفوظ، تحدثنا حديثا مطولا عن الرواية ولكنها صعقتني حينما امتدحت كاتب الرواية التي ادعت أنه الكاتب الكبير طه حسين.

لم أستطع أن أصحح لها المعلومة وتحاشيت الحديث عن هذا الموضوع درءا للإحراج، غادرت المكان ولكن لم تغادرني الكثير من التساؤلات التي أبسطها ماذا لو أن هذه الرواية وقعت بين يدي هذه المرأة؟ هل لها أن تقع في هذا الخطأ الجسيم وأن تدعي العلم بما لا تعلم!؟

ربما على بساطة الحادثة إلا أنها تكشف عن صور متعددة لواقع ثقافي مؤلم نعيشه، واقع أصبحت فيه مصادر الكتب شحيحة في حياتنا حتى يكاد ألا يكون له أي وجود وهذا الغياب أدى فيما أدى إلى وجود فئتين غالبتين في المجتمع، الأولى هي تلك التي لا تعلم شيئا عن الكتاب وهي الفئة الغالبة وصار أمرها أن مساً يصيبها لمجرد أن تتحدث إليها عن شئون الكتاب وأموره، والثانية وهي الفئة التي ترتدي رداء الثقافة والعلم والاطلاع وهي لا تملك من كل ذلك إلا قشورا تشطح بها وتمرح وحينما تتحدث نجدها تقع على شاكلة صاحبتنا المذكورة ولا نملك نحن البسطاء إلا أن نغرق بين جهل معتم أو أدعياء ثقافة مشوهة.

من يتوقف اليوم أمام حال الكتاب وشئونه وأموره يصاب بخيبة أمل كبيرة فالكتاب تراجع كثيرا خلال العقود الأخيرة حتى صار وجود كتاب بداخل أحد المنزل يشبه إلى حد كبير قطعة فنية كلاسيكية أو ربما نقش أثري يغري الأشخاص بالتفرج عليه والنظر إليه باستغراب والترديد «والله زمان».

منها لله الثقافة الإلكترونية بما فيها الفضائيات والإنترنت وغيرها من التي أزاحت الكتاب بعيدا عن حياتنا حتى صار الأمر وكأنه لا يقصد بالكتاب إلا كتب الدراسة وألا وجود لشيء اسمه كتب الأدب ، السياسة، الفن ، والتاريخ.. الخ.

الناظر إلى أحوال العالم سيجد أن العالم ماييزال يقرأ والغرب بالذات رغم أنه قد عرف ثقافة الفضائيات والإنترنت قبل العرب لكننا نجد أن مواطنيه لايزالون يتزاحمون في طوابير طويلة من أجل الحصول على كتاب ولو أن أحدا منا مرَّ عليهم وهم في حالهم هذه لقال عنهم بكل بساطة «مجــانين»!.

مدرسي في الجامعة لخص مشكلتنا مع الكتاب مستعينا بما قالته رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة جولدا مائير عن العرب وعلاقتهم بالمعرفة عامة والكتاب على وجه الخصوص ، هي أن العرب لا يقرؤون وحتى إن قرأوا لا يفهمون وللحقيقة إن كانت نظرة جولدا عنا صحيحة فإن ذلك كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى وعلينا أن نلقي بكل ما تبقى لدينا من كتب إلى أقرب المزابل.

لا أختلف مع أحد ما منكم أننا بحاجة إلى إعادة نظر شاملة إلى موقع الكتاب في حياتنا فالكتاب عالم متداخل ومتعدد الألوان فائق الجمال فمن يعشق عليه أن يقرأ ولمن يهوى الدموع عليه أن يقرأ ولمن يتفكر في ملكوت الله عليه أن يقرأ والطريق قد تبدأ من كتاب عتيق ولكنها بالتأكيد لن تنتهي إلا إلى عالم من الجمال والأدب والرقي في التعامل والحديث والتفكير بما يؤسس لثقافة تتعدى ثقافة هز الخصور.

يحضرني السؤال الملح وهو متى يعود للكتاب بريقه؟ ومتى سنعاود القراءة ؟ ومتى سنثبت للعالم أننا كمجتمع يمكن لنا أن نقرأ وأن نكتب وأن نفكر أيضا وبذلك نستطيع أن نثبت أن جولدا لم تكن على صواب.. ولكنني أخاف إن أمكن لها أن تعود أن تطل على العالم قائلة : ألم أقل لكم إنهم لايقرؤون ولا يفهمون أيضا!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى