قصة قصيرة .. من يوميات عانس

> «الأيام» عبدالله قيسان:

> في العمل،لا أحد يسألها عن حضور أو غياب، أو تأخير أو تقديم، فهي إذا بكرت تصل في العاشرة والنصف برغم أن البيت قريب من مكان العمل إلا إنها تأخذ وقتاً طويلاً في الاستعداد للخروج، وإذا خرجت، فسيرها بطيء وهادئ، وحركتها رتيبة، ليس تصنعاً أو دلالاً.. ذا طبعها من زمان.

وعلى الرغم أنها تجاوزت الأربعين إلا أن نظراتها و ابتساماتها، وتماسك جسمها يدل على حيوية الشباب.. أول ما تدخل تسأل عن دفتر التحضير فيمتدحها المدير:

- ما شاء الله على نشاط.

- بالعكس يعني؟!

- لا أبداً.. تكفينا منك إطلالة.

فتضحك.. ويضحك معها جميع الموظفين، ومع كل ذلك تحظى باحترام كبير، لأسبقيتها في العمل وطول خدمتها، وعدم تدخلها في شؤون الآخرين.. والحاجة الحلوة أنها لا تحسد على ترقية أو إكرامية، ولماذا تحسد؟ فالذي يخسر شباباً وعمراً ما تفيده إكرامية أو ترقية! أما المهام الموكلة إليها في العمل، فبسيطة وصغيرة: إما تسطير دفتر، أو ختم رسالة، وقلما تدخلت في ترتيب الأرشيف.. في أيام العطل تمارس هوايتها في التنقيش (الخضاب)، ولكن ليس من أجل الكسب، مجرد هواية تقضي بها الوقت.

وفي البيت مهمتها فنية ومختصرة: طباخة العشاء والكعك والكيك في المناسبات، وتنظيم المجلس واختيار الستائر. تسميها أمها (وجه النحس) هكذا تداعبها أحياناً.. تقولها بحب وعطف، لهذا لاترد عليها، فكل أخواتها الصغيرات تزوجن وأنجبن إلا هي.. رغم أنها الأجمل بينهن، وقد خطبت ثلاث مرات لكن النصيب ينتهي عند الخطوبة، لعل الشباب يتهيبون جمالها وقوة شخصيتها، وحسن اختياراتها:

فأوقات خروجها محدودة، وألوان ملابسها فاترة، كفتور عينيها، ونغمات هاتفها تحرك المشاعر وتنعش الروح، وحديثها قليل، وقراراتها حاسمة، لذلك أصبحت شخصية غامضة، وهذا الغموض ربما لعب دوراً سلبياً في النصيب.. كانت زميلاتها يتشاءمن من خطوبتها، ويقترحن عليها الزفاف المباشر:

- ذه المرة لا خطوبة ولا حاجة.. زفاف على طول.

- النصيب هو النصيب (تقولها بهمس وحياء)

- أحسن، ولا يضيع العمر خطوبات.

- ياساتر!

أما في الأعراس، فتأخذ الدور الأخير، بعد أن يصفو الرقص من الشطحات والتحديات والاستعراضات وعندما تنزل تعيد الحيوية والنشاط في اللعب، فتنطلق الزغاريد من كل مكان في العرس، وتزداد الطبول قوة وإيقاعاً، يشتد التصفيق، وتقوم العجائز وقد غلبهن النعاس، ليشاهدن الأداء الراقص الجميل في اللعبة، ويشرن إلى (الطبالات) بالاستمرار ويبذلن النقود لهن، ويضج الحفل، ويعود البعض من الطريق وقد ترك الحفل، ويطلق الأطفال في نشوة الفرح (الطماش) فتشعر وهي تلعب أن الكل يواسيها ويتعاطف معها، ويتمنى لها الخير، فتزداد حباً للناس وتمتلئ بهجة وفخراً حتى تكاد أن تبكي، ولكنها تحاول ربط جأشها لتواصل الرقص، حتى إذا انتهت الحفلة، عادت إلى البيت تحاصرها الطموحات والأحلام الجميلة وتسهر حتى الفجر.

20يناير 2009م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى