وسط إخوتك مخطي..

> فضل النقيب:

> الموت مع الجماعة رحمة و«وسط إخوتك مخطي ولا وحدك مصيب» كما يقول المثل اليمني الذي تناسيناه في ظل خلافاتنا التافهة التي تجلعنا- ما شاء الله- نصيب النملة ونخطئ الجمل.

وفيما العالم بأسره مشغول بالشأن الاقتصادي المتردي وكيفية تفادي الأسوأ الذي مازال وراء الأكمة، فإن أصحابنا من النخب الغر الميامين المتصدرين للواجهات يشغلوننا بالملاسنات والردح والقدح وكيفية تقاسم جلد الدب الذي لم يصيدوه بعد، وإنما يتوهمون وجوده في الغابة التي لم تطأها قدم أي واحد منهم، وقد أدخلوا عامة الناس في «حيص بيص» لا يعرفون سلم الأولويات التي ينبغي التركيز عليها، ولذلك تجد كلاً في فلك يسبحون، و:«هذا بناقوس يدق وذا بمئذنة يصيح» كما يقول المعري، كل واحد يزكي على نفسه وجماعته من أصحاب الكهف والرقيم الذين أكل عليهم الدهر وشرب، والذين لو نظر واحدهم في المرآة وكان صادقاً مع نفسه وناسه وزمانه لما زاد ولا أنقص حرفاً عما قاله ذلك الشاعر العربي الذي حيل بينه وبين الهجاء، فلم يجد أمامه سوى وجهه الدميم ليهجوه فيأمن العقوبة حتى وإن أساء الأدب، فقال:

أرى لي وجهاً قبَّح الله خَلْقَه

فقُبِّح من وجه وقُبِّح حاملُهْ

كثير من أمور حياتنا- والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه- تسير على أمهات رؤوسها، يعين «شقلبان» بدلا من السير على الأقدام التي خلقها الله لهذه الوظيفة الجليلة، من أجل التقدم الواثق إلى الأمام، وصعود الجبال، وقطع المفازات والكثبان، ومع أننا جميعاً نرى بأعيننا ونتلمس بجميع حواسنا بما فيها الحاسة السادسة، التي تهجس قبل أن تدرس، نرى واقع الحال وسوء المآل، إلا أننا في الوقت نفسه «نتعامس» على طريقة «أبوعامر» الذي قال: «يقول بوعامر خيار القول قولةْ ما دريت.. إن شفت شي ما شفت شي، وإن حد روى لي ما حكيت».. وطبعا فإن أبا عامر كان يقصد تجنب نوازل الظلمة وزبانيتهم، جرياً على مأثور أسلافه الفصحاء «لسانك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك», ولكن هذه النصيحة التي ترددها الحوائط ذات الآذان، إذا ما صلحت للفرد فإنها قطعاً لا تصلح للجماعة فـ «رأي الجماعة لا تشقى البلاد به»، أما أصحاب الدكاكين المشيخية والأحزاب التنبلية وجماعات الضغط القاتية والنسور الحوامة ذوات النجوم والطيور الطنانة وأمشاج «قعْ نملة وكلْ سكر» ممن يصيدون في المياه الضحلة، يتنططون كالجنادب، ويتسلقون كالعناكب، ويراوغون كالثعالب، فإن تصنيفهم جميعاً لن يعد وقائمة الحرمات الإلهية (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيخة وما أكل السبع...)، فالذين يأكلون الحرام ويعيشون في الحرام ويحلمون بالحرام، لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يكلمهم.. ولا حاجة بي هنا للتذكير بصرخة الشيخ علي محمد باحميش- رحمة الله عليه- حين خاطب العصاة في لحظة انفعال فقال وقد تهدجت أوداجه وفاض عبابه: تركبون (كذا) وتشربون (كذا) وتفعلون (كذا) ثم تقولون يا ربي.. يا ربي.. هيا... (... ...) مشيرا إلى ما لا يُشار إليه وفقا للتعبير العدني «اللي ما يتسماش».. ولاشك أنكم جميعاً قد سمعتم بالمفردات التي لا تصلح لجريدة سيارة يقرؤها الكبار والصغار، ولكن من لم يسمع فليُخمّن، فإن في بعض الإعادة إفادة، كما أن في بعض النصحية فضيحة، والشاهد يبلغ الغائب، ومن أنذر فقد أعذر.

أقول: ما ضر لو أقفل أصحاب الأكشاك والدكاكين الحيزبونية حوانيتهم طواعية ووقفوا مع عباد الله على أبواب الله يسترزقون بعرق جبينهم، أليس ذلك أكرم لهم وأزكى وأبصر لقلوبهم وأنقى (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها وآذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).

ورغم أنه من المبكر جداً الحديث عن نضج سياسي في بلدنا وعن قوانين مرعية ومؤسسات مبنية حيث مازالت الأهواء متحكمة والـ «أنا» عالية والمصالح الشخصية غالبة، إلا أنه لابد.. لابد من ضربة ما في مفصل ما، وصرخة ما في محفل ما، وبداية ما من أسفل ما، بلا ضرر ولا ضرار، فصناعة الأمل لا تزدهر مع البلادة، وطريق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة وإرادة واعدة، ومن طلب العلا سهر الليالي أيها الناس.

أخيراً.. إن الله يضع سره في أضعف خلقه، والسيل العرمرم يتكون من القطرات التي لاتكاد تبل الشفة، ودعونا ننسى أولئك الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، ممن يظنون أنهم ملح الأرض، فيمشون في مناكبها مرحاًً، وهم الذين وصفهم الرصافي بالقول:

قومي رؤوسٌ كلهم أرأيتَ مزرعة البصل؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى