مئوية الأستاذ: سلاما أحمد محمد نعمان

> د.هشام محسن السقاف:

> تتعطر ذكرى (الأستاذ) بنصاعة السجل الحياتي منذ ولد في قرية ذو لقيان- عزلة ذبحان- قضاء الحجرية بتعز الخير والثقافة. بل لا نبالغ إن قلنا إن حياته كلها كانت مرورا من تحت شفرات السيوف، وفي مداها لا يكف نعمان هذه الأمة أن يأتي المنية من بابها في سبيل القضايا الوطنية الكبرى.

أحمد محمد نعمان خطيب اليمن المفوّه- كما وصفه الإمام أحمد نفسه، وصانع قضية الأحرار اليمنيين الأول- كما أحب زميله الشاعر الثائر محمد محمود الزبيري أن يسميه. وفي كل الحالات تنجذب الإرادة الصلبة لأفعال كبيرة بحجمها، فنرى أحمد- رأي العيان- يخرج من كنف أسرة عريقة لا تبخل يوما أن تكون في صدارة الفعل الوطني والعلم أيضا، في وقت كان المتصدر للعمل الوطني كالقابض على جمرة من جهنم.

ونزداد يقينا، حتى في ظل طائلة النسيان والتناسي التي تحاصر جزءا حيا من التاريخ الوطني وروادا كبارا من صنف الأستاذ أحمد محمد نعمان، أن للأرض ذاكرة كما هي للأجيال، بالتلقين حتى، أو بشاهد واحد لا يكذب أهله سوف يمد الله له من العمر أن يبلغ رسالة الآباء وصنيعهم العظيم إلى الأبناء والحفدة، لتبقى مأثرة حية تغذي الوجدان الجمعي للأمة مهما تباعدت المسافة وفصول الزمان. وهكذا كان الأمر بالنسبة لأحمد محمد نعمان، ومن قبله العلامة الشيخ البيحاني، وقبلهما الأستاذ محمد علي لقمان، بأن تتلقف جامعة عدن رسالة الانفتاح على التاريخ الوطني وتتماهى في صياغة القراءات التاريخية بوعي وفكر مستنير، لا يتعسف الأحداث أو يطوعها بالتناقض مع مجرياتها الحقيقية لصالح اليوم والحاضر، بل بما يحيي في عقول وقلوب الأجيال الجديدة لحظات الالتقاء والتواصل مع صنيع الآباء والأجداد، من دون انقطاعات أو بهوت في الرؤية، حتى لا يكون الانفصام- والعياذ بالله- وليدا لذلك الانفصال ومن ثم فقدان للهوية واغتراب في الوطن. من دون أن يعني ذلك أن نبعث الماضي للحاضر للعيش فيه مستحضرين ماضويته هربا من الواقع، بقدر ما يتوخى المرء العاقل دراسته وتمحيصه وتقديمه وجبة للعظة والفائدة تسهل السبيل للسير إلى المستقبل بخطى الواثقين.

في النعمان الأستاذ عبقرية حية وموهبة فذة تهتدي في النضال بالإيمان لتغيير واقع مظلم، تسعى بكل ما أوتيت من قوة لإحلال الحق نقيضا للباطل، والعلم بدل الجهل، والشعب بدلا عن الطاغية والاستبداد. ولا شك أن للمنابع العلمية والدينية التي ارتوى من فيضها الأستاذ: كتاتيب القرية ومدرسة زبيد وجامعة الأزهر، وانفتاحه على الفكر العربي والإسلامي والإنساني، سببا إضافيا لشخصية ثائرة بطبعها، وسيجد الباحثون أن لعدن أثرها الواضح في التشكل النوعي لشخصية الأستاذ ليكون واحدا من الرواد المعدودين ممن حملوا مشروعا وطنيا للتغيير الاجتماعي والسياسي في اليمن.

ومن ثنايا هذا الالتحام اليومي بالوطن والتماهي فيه سنجد أن للنضال ثمنا يذهب بصاحبه إلى سيف الجلاد في حجة، ودونا عن وجل يتحول السجن القلعة إلى مدرسة للنضال والتنوير واحد من أقطابها البارزين الأستاذ من دون منازع.

ولن تثني التجربة المرة من نذر نفسه للوطن أن يمضي على رؤوس الثعابين مرات ومرات حتى قيام الثورة في عام 1962م، والجمهورية بطبيعة الحال، ليبدأ سفرا جديدا من النضال الصعب لبناء دولة المساواة والعدالة الاجتماعية من دون مهادنة أو تخاذل، وحاملا رؤاه كأشبه ما يكون بسيزيف حامل الحجر في الأسطورة الشهيرة.

وفي معمعان ملحمة وطنية لا تنقطع أو تتوقف حتى لالتقاط الأنفاس، لا يلتهي الرجل عن قضاياه العروبية والقومية، فهو من أوائل المنادين بوحدة الجزيرة العربية.

ومن بين كل هذا العنفوان سنجد أن هذا الرائد قد وجد وقتا لإنارة دروب هذه الأمة بتمخضات عقله المتقد في سلسلة طويلة من المؤلفات والأعمال الفكرية والسياسية والنشاط الصحفي والإعلامي والخطب المؤثرة والمقالات واللقاءات والعلاقات المتسعة اتساع هذه البسيطة.

فله السلام- كل السلام- في ذكرى ميلاده المائة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى