تغيير النظام التعليمي -صنو الخروج من الأزمة الوطنية الراهنة

> د.عبدالله عوبل:

> يتزايد القلق بين الأوساط الأكاديمية والتربوية والنخب اليمنية بوجه عام من حالة الفشل التي مني بها النظام التعليمي بكل أنساقه وفروعه وعناصره.

ويعتصر الألم الأوساط الجامعية وهي تتحدث بمرارة عن ضعف مدخلات الجامعة وخصوصاً فشل التعليم العام في تكوين المعرفة والمهارات اللازمة للتعليم الجامعي .

لقد آن الأوان والمجتمع بكل هيئاته المدنية أن يضع سؤال إعادة بناء النظام التعليمي على الطاولة.. والآن، لأن بقاء النظام التعليمي على هذه الحال يعني تدمير طاقات المجامع وإحباط كل الآمال في التنمية الوطنية الشاملة وزيادة حدة التوترات الاجتماعية الناتجة عن زيادة حدود معدلات الفقر والبطالة والحرمان الاجتماعي.

إنه يصعب اليوم معرفة إذا ما كان النظام التعليمي مازال يعمل في دائرة وظيفته الاجتماعية، أم تحول إلى نظام لا وظيفي يعمل خارج السياق الاجتماعي، وأزعم أكثر من ذلك القول بأن هذا النظام التعليمي أصبح عبئاً على المجتمع دون أن يحقق غاياته.

منذ عامين فقط صرح الدكتور عبدالكريم الأرحبي التخطيط وزير التعاون الدولي في سياق الحديث عن مؤتمر المانحين، قائلاً: «إن النظام التعليمي إذا لم يتغير جذرياً فلا معنى للحديث عن التنمية»، كان لابد أن يكون النظام التعليمي جزءاً لا يتجزأ من إصلاحات اجتماعية وطنية شاملة لكي يتم تأهيل اليمن للدخول من بوابة العصر، ولن أدخل في جدال حول عبثية الإصلاحات الجزئية التعليمية التي تعزل أنواعا أو مراحل من التعليم عن سياق النظام التعليمي ناهيك عن عزل النظام التعليمي عن السياق المجتمعي العام وكأن النظام التعليمي يستطيع أن يعمل في عزلة عن المجتمع والبيئة الاجتماعية بوجه عام.

تبدأ قضية النظام التعليمي من عند صانعي القرار السياسي وتنتهي عند إرادتهم السياسية أيضاً، ولكي تصل هذه القضية إلى عقل صانع القرار لابد من تضافر جهد المجتمع لإقناع الأخ رئيس الجمهورية والأخ رئيس الوزراء ومجلس النواب بخطورة فشل النظام التعليمي على مستقبل البلد، وفقدان الأمل في الخروج من حالة التخلف وما يمثله من أخطار على الاستقرار والسلم الاجتماعي.. إذ من جراء فشل التنمية وسوء الأحوال المعيشية تتزايد التوترات الاجتماعية وتتقهقر المواطنة لصالح الولاءات التقليدية وشعور الجماعات الاجتماعية بالتحيز في مشروعات التنمية فينشأ عن ذلك تفكك المجتمع وبروز الانتماءات العرقية والطائفية والقبلية والمناطقية ويصبح وجود الدولة من عدمها محل تساؤل.

إن مشكلة التعليم تكمن في أن النظام السياسي في بلادنا لا يضعه في سلم أولوياته، وتوقف اهتمام الدولة بالتعليم عند حدود الإنفاق على التعليم من دون الالتفات إلى النتائج التي يجب أن يحققها التعليم حتى غدا النظام التعليمي مشكلة اجتماعية كبيرة يصعب حلها في ضوء الظروف والموارد الراهنة.

إن تفهم أزمة النظام التعليمي والاقتناع بالتغيير يتطلب أن يتغير فهم السلطة لوظيفتها الاجتماعية .. ذلك أن السلطة منذ 18 عاماً قد برهنت على نسيان هذه الوظيفة وهي دورها المحوري في إدارة موارد المجتمع وترشيدها لخدمة المجتمع.. لقد انحصر الاهتمام بإدارة الصراعات الاجتماعية واختصارها في مجال المنافسة على الحكم والتركيز على إزاحة العوائق التي تحد من الاستمرار في الحكم وإعادة إنتاج المجتمع التقليدي وكامل البنية الاجتماعية المتخلفة، وهي- أي السلطة- لاتعي أن جذور الصراعات الاجتماعية تكمن في غياب دورها في الحفاظ على التوازن الاجتماعي القائم على توازن المصالح وتحقيق التوافق الاجتماعي بما يساعد على أداء النظم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتعليمية والثقافية لوظائفها لصالح تطور المجتمع.

إن أنساق وعناصر النظام التعليمي تتبادل التأثير والتأثر وإذا توقف أو ساد خلل في الوظيفة الاجتماعية لأي من هذه النظم فإنه يؤثر في سائر وظائف البناء الاجتماعي، وهو ما يتطلب تلمس الخلل في بنية النظام، لأن الخلل في الوظيفة يأتي من الخلل في البنية النظامية للنظام التعليمي.

إن خراب بنية النظام السياسي مثلاً يمثل خراباً لوظائف النظم الاقتصادية والتربوية وغيرها، والعكس إن فشل جهود التنمية هو السبب في كل المآسي والأزمات التي نعيشها اليوم، فالنظام الاقتصادي يعجز عن تلبية احتياجات الناس ولا يحقق النمو الاقتصادي المطلوب نتيجة طغيان الفساد الذي يقضي على أي أمل في التنمية وقد أثر هذا في أداء النظام التعليمي، بحيث أصبح عاجزاً عن تكوين قوى عاملة ماهرة تواكب السوق الإقليمية والدولية، وعدم قدرته على المنافسة في مجال تكنولوجيا التعليم وضعف كبير في البنية التحتية للنظام التعليمي من حيث عدد المدارس الصالحة للدراسة والمختبرات والمكتبات والحقول التطبيقية وغير ذلك، ويصعب حل مشكلة التعليم الفني والمهني وإعادة تأهيل القوى العاملة في ظل تدني الموارد وغلبة الفساد في كل عصب وشريان الدولة ما يعني صعوبة أمر تخصيص الموارد وتوجيهها نحو استراتيجية واضحة لتطوير التعليم في اتساق مع أهداف استراتيجية تنموية واضحة، كما أن فشل النظام التعليمي ينعكس سلباً على حياة الناس، فقد أثبتت الدراسات أن تحسن حالة الناس المعيشية يرتبط طردياً بما لديهم من مستويات ومؤهلات تعليمية.

لقد بات واضحاً أن فشل النظام التعليمي في تحقيق أهداف المجتمع يترتب عليه ما نشاهده من بطالة وفقر وأمية، بل يمكن الذهاب إلى أبعد من ذلك بالقول بأن من شأن فشل النظام التعليمي أن يمنع أي تغيير في البنية الاجتماعية التقليدية لصالح المجتمع المدني والدولة والنظام المؤسسي والقانون، وبالتالي من الصعب توقع التغيرات في البنى التقليدية من دون نظام تعليمي فاعل يساعد على الخروج من مأزق التخلف والتنمية ويفتح الطريق أمام قوى التحديث لبناء مجتمع العدل ودولة القانون.

وعلى هذا الأساس فإن النظام التعليمي الراهن لايقف عند ضفاف الأزمة الوطنية الراهنة، ولكنه واحد من تياراتها الهدامة. إن ما يثقل الواقع من مشكلات اليوم التي تمثل مظاهر لازمة مركبة هي نتاج هذا الفشل في أداء الوظائف الاجتماعية، وإن فشل النظام السياسي في إدارة الموارد المادية والبشرية سببه سوء توزيع السلطة والثروة وبالتالي أي معالجة حقيقية لابد أن تأخذ بترابط عوامل الإدارة الاجتماعية مع عامل الفساد وعدم قدرة التحالفات الاجتماعية السلطوية على مغادرة مواقعها التقليدية لصالح الدولة ومفهوم المواطنة المتساوية.

سوف نناقش بالتفصيل جوانب محددة من أزمة النظام التعليمي، ولكن في وقت لاحق. ولكن من المتوقع أن يثار سؤال من قبل القارئ وهو: طيب وما العمل؟

أدعو المجتمع وفعالياته السياسية والمدنية كافة إلى الوقوف عند قضية النظام التعليمي وقفة جادة، أن تطالب بصوت مسموع بإعادة بناء النظام التعليمي.. أن يجري حوار جاد منفصلاً أو ضمن أي حوار حول الأزمة الراهنة لتحديد فلسفة واضحة، ماذا نريد أن نربي؟ وأي مواطن نريد؟ وأي تنمية نريد؟ وأستطيع الذهاب إلى أبعد من ذلك وأدعو إلى أن تصبح قضية التعليم هي القضية الأولى للمجتمع والدولة وأن توجه إليها الموارد الحكومية أكثر من المجالات الأخرى وأن تصبح قضية التعليم هي القضية المركزية للمجتمع.. لأن حلها سيوفر الجهد والوقت للشروع في تنمية وطنية شاملة تمكننا من اللحاق بالعصر ومنجزاته.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى