قصة قصيرة.. الــمـنــبـــه

> «الأيام» محمد عبيد ناصر:

> رن جرس المنبه رنينا متواصلاً انتشلني من فراشي انتشالاً مخيفاً، قطع عليَّ الاتصال بعالم الأحلام والكوابيس، فمددت يدي بقوة على رأس المنبه فأطفأته أو كعقاب له على إيقاظي وقطع أحلامي .. عدت ووضعت رأسي على وسادتي ونظري لا يفارق سقف غرفتي، أعيد ترتيب حلمي المخيف الذي راودني في نومي .. نظرت مرة أخرى إلى المنبه.. فابتسمت وربت عليه بيدي التي عاقبته قبل برهة لأصالحه .. نهضت من فراشي وفتحت نافذة غرفتي لألقي نظرة على الشارع الذي بدا عليه الهدوء غير المعتاد.

وضعت آخر كتاب في حقيبتي وأغلقتها واتجهت قبل خروجي إلى المرآة لأضع آخر لمسات أناقتي وخرجت وأقفلت الباب .. نظرت إلى الشارع وأنا لا أصدق الهدوء المريب .. فراودني شك ، فنظرت إلى ساعتي لأتأكد من تاريخ اليوم .. هل هي إجازة أم عطلة رسمية؟!!!

واصلت طريقي وأنا أحاول تفسير حلمي الذي أزعجني البارحة .. فجأة عمت الشارع فوضى عارمة .. ورأيت أناساً يركضون ويهرولون .. ويهربون من شيء .. في كل اتجاه.. نحو كل صوب .. البعض قد تخلوا عن أحذيتهم .. والبعض تركوا أعلاماً وصوراً خلفهم .. والبعض قد تساقطوا .. وآخرون قد أمسكوا على أفواههم حتى لايجبروا على استنشاق الغاز الذي انتشر في كل مكان .. أمسكت حقيبتي واحتضنتها بيدي وتراجعت إلى الخلف والتصقت بباب إحدى البنايات .. ووضعت يدي على فمي أمنع استنشاق الغاز.. ونظرت إلى الخلف فرأيت جنوداً يمسكون بأسلحة ويطلقون الغازات المسيلة للدموع- التي تجعلك تسيل إلى عالم آخر- ويمسكون بهراوات يضربون بها المتظاهرين.. ألتفت يميناً رأيت طفلا في الثانية عشرة من عمره يركض نحوي وهو يبكي وخلفه جندي يمسك بيده عصا غليظة فسقط الطفل أمامي، بعدت خطوات فرأيت الجندي قد هم بضربه فصعقني تيار قوي انتشلني من مكاني وعدوت كعداء أولمبي نحو الجندي فضربته بحقيبتي على وجهه أجبرته على السقوط إلى الخلف بشكل مخيف .. وأمسكت بالطفل وساعدته على النهوض .. وفجأة أظلمت الدنيا أمامي إثر ضربة على رأسي من جندي آخر .

استيقظت بتثاقل .. ومازال رأسي كتلة من حديد .. فتحت عينيّ ورأيت سقفاً غير سقف غرفتي مظلماً شديد السواد .. نهضت بصعوبة.. فصدمت من المشهد.. ماهذا ؟! هل أنا بزنزانة؟؟ فركت عينيّ لأتأكد .. ولكنه المشهد نفسه .. رجال مستلقون على الأرض.. ورجال مجتمعون يلعبون الورق .. ورجال يظهر بهم آثار الضرب لم أصدق مارأيت هل تحقق حلمي.. تحسست رأسي المربوط وعادت بي ذكرياتي لموقف الشارع .. فتحت باب السجن فظهر أحد الجنود..واستدعاني .. فشعرت بفرحة عارمة وقلت في نفسي : «لقد جاءالفرج .. الحمدلله». أمسك بي الجندي من معطفي الذي تلطخ بالدماء .. والأتربة وسار بي في ممر .. ثم طرق على باب .. كتب عليه رئيس النيابة .. ففتح الجندي الباب بعد ماسمع الجواب من الداخل يأمره بالدخول .

جلست أمام رجل في العقد الأربعين ذي شارب كثيف وبالقرب منه رجل آخر منشغل في كتابة شيء، لفت نظري حقيبتي على مكتب الرجل الأول، الذي يبدو أنه رئيس النيابة، كما تشير لوحة صغيرة أمام مكتبه، انتشلني صوته من أفكاري .. وسألني:«اسمك .. عملك .. أين تقيم؟!» بعد إجابتي عليه سألني «لماذا تقوم بالمظاهرات؟» فرددت عليه باستغراب:«أنا..أنا.. لم أشترك .. أنا كنت أسير في طريقي» فضحك الرجل بقوة، وهو يقول: «تسير في طريقك.. تضرب الجنود؟!» فتذكرت أني ضربت ذاك الجندي .. فرددت عليه: «لقد كان يريد أن يضرب الطفل» فقاطعني الرجل بصوت قوي: «لاتكذب فأنت من تتزعم هذه المظاهرة»، ثم وقف وأشعل سيجارة .. واتجه نحو نافذة المكتب ينظر عبرها، وهو يقول:«أنت مدرس فلسفة في الجامعة وتملأ عقول الطلاب بكلام فارغ .. عن الاشتراكية .. والشيوعية .. والديمقراطية.. وتحرضونهم على المظاهرات .. أليس كذلك ؟!» فنهضت من مكاني وأنا أشتعل غضباً وأرد عليه:«ماذا تقول .. أنا لم أحرض أحداً .. وليست الفلسفة حرام .. وأنا أدرس في الجامعة منذ عشر سنوات .. ولم أسمع أحداً يفكر بتفكيرك الضيق»، التفت الرجل إليّ بغضب ورمى عقب السيجارة .. وهو يتجه نحوي .. ويرد بعصبية: «أنت تثير غضبي»، فرفع يده وهوى بها نحوي .. ووو..

استيقظت مفزوعاً من نومي على صوت المنبه .. فقد كان حلماً مزعجاً .. فنظرت إلى المنبه فأخذته..وأطفأته وأمسكته وأخذته بين أحضاني وقبلته.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى