أزمة الحداثة والتحديث في اليمن.. مقاربة سياسية ثقافية (3-2)

> قادري أحمد حيدر:

> إن الدخول إلى خطاب نقدي، يقف على ناصية ثقافة تحديث ثقافة المجتمع، وتنميته، للولوج إلى آفاق الحياة المعاصرة: التعددية، الحرية، المساواة، المواطنة، تكافؤ الفرص، التسامح، الحوار، والنقد، والتنمية الإنتاجية، تقف دونه صعوبات عديدة، منها أسباب تاريخية.

تخلف وتحجر وجمود في البنية الاقتصادية الإنتاجية، وركود في طبيعة علاقات الإنتاج، وبالنتيجة حالة استقرار وثبات شبه تاريخية للبنية الاجتماعية التقليدية - البطريكية - ومنها كذلك - تاريخية اللغة والفكر الاجتماعي والسياسي السائدين لقرون طويلة، وهو ما يحجب إمكانية تبلور لغة، ونص، ومفردات خطاب بديل لما هو قائم، مع أنني أقر أنني أشهد مؤشرات وملامح خطاب نقدي سوسيولوجي بعيداً عن ديماغوجية الأيديولوجية الشعبوية قد بدأ يعلن عن نفسه ويؤسس لمعنى وجوده في الحقل المعرفي والفكري والأكاديمي، وبدأنا نقرأ بشائر أولى لتجلياته وتعبيراته ومفهوماته في بعض الكتابات والدراسات والأبحاث السوسيولوجية، السياسية، والثقافية، والتاريخية والقانونية، والاقتصادية، وهي وإن كانت بداية محدودة ومحاصرة في خضم ما يكتب وينشر - وهي كتابات علمية وأكاديمية رائدة - على أنها مشجعة ومحفزة لاستكمال صورة خطاب نقدي عقلاني سوسيو - ثقافي، واقتصادي اجتماعي، وقانوني دستوري، يحاول رؤية صورة المشهد الواقعي كاملاً، وهو خطاب يشق طريقه بصعوبة وحذر شديد، نجد جذر هذه الصعوبة كامناً في الحضور الكثيف والتاريخي للدولة التسلطية العربية، واليمنية، على قول بعضها بالتعددية المقيدة والتداول السلمي للسلطة شكلاً - وثانياً في ضعف الإعداد والتأهيل العلمي والتعليمي في مناهجنا الدراسية من المدرسة إلى الجامعة، وثالثاً، إن واقع حال تدمير الطبقة الوسطى المنظم وتوسيع قاعدة الفقراء في أوساطها بشكل مخيف أضعف بالضرورة الحامل الاجتماعي للخطاب النقدي العقلاني الديمقراطي، ويحرم المجتمع من إمكانية تشكل كتلة اجتماعية تاريخية، موكول إليها حمل مشعل هذا الخطاب، وراية العقلانية والتنوير والمدنية والتحديث، والمساهمة في بلورة وصياغة الخطاب النقدي العقلاني المدني الديمقراطي، وتقديمه للمجتمع كخطاب بديل، والدفاع عنه في وجه المد الأصولي والثقافة الماضوية التقليدية التي نجد سندها الموضوعي والمادي والسياسي في استمرارية هيمنة البنية الاجتماعية التقليدية - المشيخية القبلية - وبالنتيجة سيادة هيمنة المفاهيم والقيم العصبوية في صورة مجموع منظومة القيم البطريكية في السياسة، والثقافة، والمجتمع في واقع استمرار شروط توحد الدولة، بالقبيلة، وتحديداً منذ مأسسة وجود القبيلة في قمة النظام والسلطة وابتلاعها لمشروع دولة الثورة..

فمنذ نكسة 5 نوفمبر 1967م، واستكمالها باتفاقية جدة مارس 1970م تحديداً، فتح الباب واسعاً أمام إعادة إنتاج البنية الاجتماعية التقليدية، والثقافة العصبوية تمثلت في البداية في صورة معادلة أو شراكة ثلاثية بين القاضي الفقيه - الإرياني - والعسكري - القديم - الجديد، وشيخ القبيلة، كان فيها القاضي الفقيه رمزاً اسمياً وتعبيراً عن الهيمنة الواقعية والسياسية للطرفين الآخرين، شيخ القبيلة، والعسكريين، وهي المعادلة التي استمرت إلى مجيء حركة 13 يونيو 1974م، لتعود صيغة معادلة السلطة والحكم إلى طبيعتها الأصلية التي كانت متوارية خلف القاضي الفقيه باعتباره رمزاً للسلطة المدنية كما كان يقال، ومن حينها في تقديري جرى مأسسة وجود القبيلة - في صورة الشيخ رمز القبيلة - في السلطة والدولة، وأجد نفسي هنا مضطراً إلى التأكيد على أهمية وخطورة هذا الانقلاب على كل التاريخ الاجتماعي والسياسي والثقافي لشمال الوطن، نتيجة لما كان يمثله الانقلاب، وما لحق ذلك الحدث أو الانقلاب من أحداث وتطورات على مستوى الشطر الشمالي من الوطن حتى اليوم، كون ذلك الانقلاب جاء انقلاباً على مجمل فكر الحركة الدستورية اليمنية المطالبة بالإصلاح السياسي والدستوري، وإزاحة معوقات التنمية والتقدم، والمنادي منذ ثلاثينيات القرن العشرين بفكرة وضرورة الدولة المركزية، أو الملكية الدستورية، وهو كذلك انقلاب على مضمون الثورة، وعلى مشروعها التحديثي في الدولة الحديثة، والمواطنة، والعدل والمساواة، تم بعده إقصاء القوى الاجتماعية السياسية الحديثة التي شكلت ومثلت في مجموعها الخلفية الاجتماعية والسياسية المدافعة عن الثورة، والحفاظ على الجمهورية..

تم على إثر تلك التبدلات السياسية الفوقية العاصفة إعادة بناء المجال السياسي وبناء القوة السياسية بما يخدم ويعزز موقع ومكانة البنية الاجتماعية العصبوية التقليدية، كان الهدف المباشر والذي دونته ورسمته سنوات الحرب السبع على الثورة هو احتكار الانقلاب للسلطة في رموز النخبة التقليدية، المشيخية القبلية، والعسكرية، على أن الهدف البعيد كان الانقضاض على مشروع التحديث والتنمية وفي القلب منه مشروع الدولة المركزية، فشيخ القبيلة، والعسكري التقليدي نقيض جذري لمشروع الدولة ، أي دولة بما فيها الدولة الإكراهية، وهو المشروع الكبير والوحيد الذي يكاد يكون واضحاً في عقل الأحرار الدستوريين، وفي أهداف رموز الثورة - الضباط الأحرار - وجميع القوى الحالمة بالإصلاح والتغيير، وهو ما أضاف تعقيدات أكبر أمام تيار الحداثة والتحديث .. رحل معه مشروع الدولة لصالح رموز البنية التقليدية.

واستهلكت الحرب الضروس اقتصاد البلد الناشئ، وموارده المحدودة، سار معها الاقتصاد نحو اقتصاد حرب وتعبئة تراجع معها الفكر والثقافة المدنيين ، الذي بدأ يتشكل في الوعي الاجتماعي العام وتواري الخطاب الاجتماعي والسياسي والنقدي، وتم حصار العمل السياسي من خلال حصره في دستور 1970م، وبدأ تغلغل الفكر الأصولي في مناهج التربية والتعليم، وفي المعاهد الدينية - المدارس والجامعات - واحتجبت الثقافة الحديثة بنفسها وانعزلت نسبياً في مواجهة هذا المد الأصولي التعليمي والثقافي، وضعف زخم الفكر السياسي النقدي، وبقي محصوراً في حدود الصراع بين القديم والجديد في شكل الأدب، والشعر، والنقد، وهو أقصى ما عبر فيه الجديد عن نفسه بعد أن أصبح كل شيء محظوراً وتحت سيطرة وهيمنة رموز البنية التقليدية في أسوأ أشكال تعبيرها عن نفسها، وبقيت «القراءة الناعسة» الناعمة، (اللا واعية) هي القراءة التقليدية أو القراءة العادية التي نتقنها في مدارسنا ومعاهدنا الثقافية، وفي ممارستنا اليومية، وهي ليست مجرد أسلوب في القراءة، بل تعبير لعقلية ثقافية معينة منبثقة من أرضية اجتماعية محددة، فلغة هذه القراءة، لغة اجتماعية يتكلمها ويقرؤها أصحابها حسب أنماط ومدلولات تتحجر مع الزمن، فتشكل شبكة من المعاني والمعايير والرموز والكليشيهات ، يتم من خلالها التواصل الاجتماعي العام.

لهذا ليس مستغرباً أن تحاول هذه اللغة منع الخلق والإبداع، وتشجع الحفظ والتكرار، ووضع النص التراثي فوق كل نص، لذلك كان أحب النصوص إلى السلطة التقليدية، والقارئ التقليدي هو النص الناعس، في صورة خطاب تراثي تقليدي أو في شكل نص شعري كلاسيكي جاهلي مقفى وهو ما يفسر انحصار صراع الحديث والقديم في اليمن عموماً عند هذا المستوى بقي معها الحوار الاجتماعي والسياسي والثقافي العميق مسكوتاً عنه أو موارباً، أو محتجباً أو معلناً عن نفسه بحذر في حمى الجدل السياسي العقيم الذي أفرغ العقل الإبداعي من قدرته على الإعلان عن نفسه، أو اشتراك بعض أقسامه في ذلك الجدل السياسي العقيم الذي لم يثمر شيئاً عميقاً على مستوى الفكر والثقافة، ضعف معه الفكر النقدي والحوار النقدي، والفكر السياسي النقدي. ولعلني أجد في تاريخ القطع الفكري والسياسي، والاجتماعي، وانعدام حالة التواصل والاتصال الإبداعي العقلاني- الصيرورة التاريخية للأشياء - في السياسة، والثقافة، والاقتصاد، والاجتماع، واحدة من أسباب - إلى جانب عوامل أخرى - تخلفنا واستمرار شروط البنيوي، خصوصاً في واقع ضعف أو ركود الحراك في البنية الاجتماعية واستمرار شروط بقائها وهيمنتها في صورتها التقليدية إلى اليوم، حيث التغيير في البنية الاجتماعية التقليدية سينحصر بفعل السياسات الاقتصادية المشوهة في مستوى الشكل والسطح الخارجي للأشياء، وهو ما يستدعي من كافة القوى الحية في المجتمع، ومن كافة التيارات الفكرية والثقافية والسياسية العمل الجدي لاستكمال مشروع التغيير الاجتماعي، ولا نركن إلى قانونية فعل التاريخ في الأشياء، ومن أن الثورة قد أدت دورها وقامت بواجبها واكتملت دورة الأشياء والحياة بها، وهو منطق تفكير محاصر بالإحباط واليأس - وهو منطق تواكلي -، نتيجة عملية الكبح السياسية التاريخية التي شهدتها البلاد لأكثر من مرة .. على أن الشيء الأكيد أن مشروع التغيير والإصلاح والتقدم الاجتماعي لن يتوقف باعتباره حاجة موضوعية وحياتية ومصلحة تاريخية للناس، وهناك اليوم في الواقع تتشكل ملامح قوى اجتماعية جديدة، وفكر سياسي جديد يتبلور ويتكون وبدأ يعلن عن نفسه في شروط تاريخية جديدة، محلية وعالمية، على مصاعب وتعقيدات هذه الولادة على أن هذا الجديد هو بشائر عملية إصلاحية تغييرية نوعية جديدة في الفكر السياسي والاجتماعي في اليمن، فلم يصل المجتمع في حركته إلى منتهاه في عملية التغيير ومازال أفق التاريخ يحمل الكثير، وما نعيشه اليوم ليس أكثر من حالة إحباط ويأس، واختناقات سياسية، اجتماعية، بفعل واقع انسداد آفاق الإصلاح والتغيير التي تفرضها الطبيعة الداخلية للسلطة العربية الاستبدادية، وهنا علينا أن لا ننسى أننا مازلنا مجتمعاً متخلفاً لا يمكنه الخروج من حالة الجهل والضعف بمجرد «ثورة» أو انقلاب، بل علينا العمل المستمر لفترة طويلة قد تمتد إلى جيل أو جيلين أو أكثر !!.

إن وعياً زمنياً كهذا يحررنا من عبودية الأحلام الطوباوية وأماني المستقبل البعيد، ويدفعنا إلى الانصراف إلى الحاضر القائم، والمستقبل الآتي القريب، فلا نعود نتحدث عن التراث والمستقبل من معميات الماضي السحيق وأبعاد المستقبل المجهول، بل نركز قوانا على الواقع التاريخي المعاش بدءاً بهذه اللحظة العفنة، فمن صلب العفن القديم تتوالد خلايا الجديد والحديث، المهم أن نفك الاشتباك بين العفن القديم الذي ما يزال يمسك بتلابيب الحديث والجديد، ونمسك بزمام اللحظة التاريخية بعقل نقدي واعٍ مدرك لضرورات المستقبل.

إذن ما تزال قضية تغيير البنية الاجتماعية التقليدية - القبلية العسكرية في طابعها العصبوي - المهيمنة، على حساب مصادرة مشروع الدولة المدنية المؤسسية الحديثة، دولة لكل مواطنيها، هي القضية المركزية أمام أجيال اليوم وغداً ، إنه سؤال الأحرار الدستوريين في مرحلة صعودهم التاريخي، وليس في لحظة إفلاسهم وتحللهم وتحولهم إلى النقيض، وهو سؤال الثورة، والتحرر الوطني والاستقلال، سؤال الوحدة الوطنية، والمشروع القومي - الدولة القومية الديمقراطية - سؤال قوى الحداثة والتحديث اليوم في كل المنطقة العربية، واليمن على وجه الخصوص.

فالإشكالية ليست معرفية نظرية، فكرية ثقافية سياسية، بقدر ما هي كذلك إشكالية نضالية كفاحية عملية، ومن خلال تضافر جهود كافة قوى المجتمع الحديث بجميع أطيافه وألوانه يمكننا تفتيح مداخل آليات ثقافة تحديث المجتمع وتنميته، ويتحقق ذلك «فقط من خلال القبض على ناصية الحاضر والعمل منه وفيه يمكننا خدمة المستقبل واستيعاب الماضي وامتلاك التاريخ في آن، أما العودة إلى الوراء، إلى عصر ذهبي مضى، أو القفز إلى الإمام باتجاه عصر ذهبي آت، فلن يؤدي إلا إلى الشلل وتعثر العمل الفعلي، وهيمنة الخطابات الغيبية، والعجز عن التمييز بين الواقع والخيال، بين الحلم والواقع»، فالنظرية ليست مفصولة عن الممارسة، ولن تتطور إلا من خلال إدراك الواقع، والنظرية كما يرى « التوسير» هي أيضاً نوع من الممارسة، أي أن العملية ليست إشكالية نظرية ثقافية مجردة، بقدر ما هي كذلك مصاعب موضوعية تاريخية ، فالأزمة كامنة في الفكر وفي الواقع.

فالثقافة، والتحديث، والمجتمع، جميعها مفردات معلقة في فراغ القول المجرد، ولن تفهم بذاتها، كما لن تقود إلى شيء محدد، دون ربطها بالنسق الاجتماعي التاريخي الذي تتحرك في إطاره بمثل ما لا يمكننا تغيير بنية أي مفردة من هذه المفردات، الثقافة ، والتحديث ، والمجتمع بعيداً عن تفعيل آليات تغيير البنية الاجتماعية التقليدية وإحداث حراك اجتماعي وسياسي أفقي ورأسي في قلب هذه البنية، فبذلك وحدة تمتلك القدرة على إدراك ماذا نريد، وأين نقف، وهو مدخلنا للتحديث في الثقافة والمجتمع، فالقضية متداخلة ومتشابكة ومعقدة، تتداخل فيها جملة من الثنائيات المأزومة، العقلاني بالغيبي، التاريخي بالأسطوري، الديني بالخرافي ، حكم الدستور والقانون، بالأحكام العرفية والتقاليد، الديني بالسياسي، ومن هنا نجد صعوبة عملية التحديث دون امتلاك الأدوات المعرفية والفكرية والثقافية ، وبدون السيطرة على آليات التحديث وتحديدها، وهو كذلك ما يفسر حتى الآن أن جزءاً كبيراً من عملية التنمية والتحديث دخل ضمن قنوات إعادة تنمية التخلف، وتعزيز وترسيخ البنية التقليدية، بحكم سيطرة قواها البشرية على الإمكانيات المادية والسياسية التي تتيحها السلطة، بفعل التداخل والتزاوج بين الدولة والسلطة، وبين الحاكم والمؤسسة، وبين السلطة والثروة، وبين الحزب والدولة، وبين الدين والسياسة، والوظيفة العامة والقدرات غير المحدودة للحزب الحاكم، باعتباره قائداً للدولة والمجتمع كما ينص عليه - في النظام الشمولي - قانون الحزب الواحد « طليعة الدولة والمجتمع» وفق الأدبيات الحزبية الشمولية التقليدية ، فترة الحرب الباردة في جنوب الوطن بدرجة أساسية، وحتى ما بعد الوحدة، والحرب.

إن الخطاب السائد في معظم البرامج والمصفوفات السياسية والفكرية والثقافية السائدة، هو خطاب ما قبل الحداثة في مضمونه العام -بدرجات متفاوتة- ناهيك عن أنه غير قابل للتحقق والتطبيق، وفي تقديري أن خطاب برنامج الرئيس علي عبد الله صالح الانتخابي الرئاسي 2006 - 2013م، يحمل على مستوى الخطاب الكثير من لغة العصر ومفرداته، وهو بكل المقاييس أكثر تطوراً على مستوى الخطاب من خطابه الانتخابي 1999 - 2006م، وهو ما تكشفه مفردات ومحاور البرنامج ففي خطابه الانتخابي الأخير تركيز واضح على مفردات ومفاهيم، وقضايا حداثية على مستوى الخطاب مثل: تكرار الحديث عن دولة المؤسسات، والبناء المؤسسي وضرورته.

وكذا الإشارة لقضية المجتمع المدني، ومنظمات المجتمع المدني في بعض المحاور والفقرات، كما تمت فيه الإشارة لمرتين لفكرة تداول السلطة سلمياً، وكذا قضية التعددية، ولم يرد الحديث عن مفهوم الشورى كشكل لنظام الحكم واعتباره صنو الديمقراطية وامتداداً طبيعياً لها، كما في برنامجه الانتخابي السابق، وتجاهل البرنامج الانتخابي الحديث عن النظام المسود اليمني القديم كما تكرر ذلك في البرنامج الانتخابي الرئاسي السابق.

إن الخطاب الانتخابي الأخير أغفل بوعي قصدي - كما يبدو - الحديث عن الشورى ولم يرد الحديث عن مفهوم الشورى سوى في سياق الحديث عن التحول من التعيين إلى نظام الانتخاب لمجلس الشورى القادم وهو قطعاً تقدم في الخطاب.

كما تحسب للبرنامج الرئاسي الانتخابي تحديد مدة بقاء رئيس الجمهورية في الحكم بمدة خمس سنوات عوضاً عن سبع سنوات -كما هي في دستور دولة الوحدة المعدل- وكأن هناك حراكاً سياسياً - بدرجة أو أخرى - في بنية خطاب الحاكم باتجاه مواءمة نفسه مع احتياجات وضغوطات الواقع والحياة والعصر، ونتمنى أن يصل هذا الحراك السياسي الفوقي إلى إحداث حراك اجتماعي وثقافي ودستوري وقانوني يؤسس لإعادة بناء مجال القوة السياسية في البلاد ولو بصورة محددة حتى تتجاوز البلاد حالات الاختناقات السياسية الحادة، وتحدث انفراجة ولو نسبية في البنية الاجتماعية التقليدية في طابعها العصبوي الاستبدادي التي تمنع حدوث أي حراك سياسي واجتماعي في البلاد بعد أن استكملت هيمنتها السياسية، باحتكار الثروة والاقتصاد، وأصبحت تشكل عائقاً جدياً أمام أي آفاق واقعية للتنمية والاستثمار.

إن قوى مثل هذه لا يمكن أن تكون لها أي مصلحة في إحداث تنمية اقتصادية، أو المساهمة في إنتاج فائض قيمة اقتصادية على أي مستوى، فكل ما لديها جاء من خارج شرط العملية الاقتصادية، ولا صلة له بالجهد الاقتصادي والعمل الإنتاجي، فهي آخر من يستفيد من إنعاش الاقتصاد أو تحريك عملية الاستثمار، ومعها ومن خلالها لا يمكن الحديث عن تنمية اقتصادية واجتماعية، ولا يمكن إنجاز أي تحديث في ثقافة المجتمع أو تنمية ثقافة المجتمع فهي تمتص كل أشكال الحداثة والتحديث وتوظفها لخدمة البنية الاجتماعية التقليدية، ومن هنا توسع قاعدة اقتصاد الفساد، وثقافة الفساد وتشجيع ثقافة الغنيمة والخاص المستقل عن السلطة، وجماعات النفوذ، وهنا لا يخدم القضاء في الغالب الأعم سوى تكريس مصالح هذه القوى، ولذلك يشكو جميع المستثمرين المحليين والأجانب.

يتبع

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى