المحاكمة العادلة

> بدر سالمين باسنيد:

> قاعدة قانونية دولية يعرفها الكثيرون من الساسة ورجال القانون.. ولكن غافل عنها أيضا أو يتغافل كثيرون من الساسة ورجال القانون.. وهي أن القانون الدولي وعهوده وقواعده تسمو على القانون الوطني وحتى الدستور الوطني.

فعندما يتفق العالم على قواعد في عقود أو عهود فلم يعد هناك مجالات للحديث عن قواعد وقوانين وطنية معارضة له.. وتجاوز قواعد القانون الدولي يعد انتهاكا يتوجب مناهضته.. ولذلك أوجد المعارضون للقانون الدولي ثغرة يمرون من خلالها لانتهاك القانون الدولي، وخاصة فيما يتعلق بحقوق المواطنين وضماناتهم الحقوقية المدنية والسياسية.. فراحوا بمزاميرهم يتغنون بقواعد القانون الدولي وحقوق الإنسان وملأوا قوانينهم بألفاظه ووسائل إعلامهم بامتداح لحقوق الإنسان فيما يجري سحل هذه الحقوق وانتهاكها على أرض الواقع.. وجعلوا من المحرم مباحا، ومن المتفق عليه دوليا محظورا عند التطبيق، فامتلأت القوانين بحقوق المواطن كذبا وخداعا، وامتلأت الدساتير بالحديث عن الديمقراطية وحقوق المواطنين وحرية التعبير، فيما امتلأت المحاكم بالمتهمين لمخالفاتهم (قوانين) التعبير عن الرأي، وتهم جنائية خطيرة، وفي إجراءات منتهكة للحقوق والضمانات.. وتجري الانتهاكات في كل حقوق المواطنة بما فيها حقوق التملك والعمل وغيرها من الحقوق المدنية.

قرأت في عدد «الأيام» (5637) يوم 13 فبراير 2009م مقالا في الصفحة الأخيرة لأحمد عمر العبادي المرقشي حارس مؤسسة «الأيام» ودار الباشراحيل سابقا في مدينة صنعاء، عندما هاجمت عصابة منزلهم.. لقد أعاد هذا المقال الشعور بالحزن لدي مما ورد فيه من حقائق ومعلومات أصبحت اليوم (ورما) سرطانيا، يأكل كل ماتتحدث عنه القوانين اليمنية والإعلام اليمني عن حقوق الإنسان.. خاصة تلك الحقوق المتعلقة بالعدالة.

عام .. عام كامل والرجل في محاكمة ليست لها بداية كما يبدو ولا يرغب الظالمون في أن تنتهي، كما لا يرغبون في أن تظهر الحقائق كما هي.. حتى تلك التي أشار إليها ملف التحقيق، بجهود من يجعلوننا نشعر حقا أن الدنيا مازالت بخير، وأن هناك مازال أمل بوجود أياد طاهرة قدمت ما أمكنها من معلومات بطريقتها.. تظهر أن الحقيقة ثابتة لا انكسار لها رغم قوة عود الظلم والفساد والعنصرية والقبلية التي مازالت شوكة لها نفوذها يخشى منها حتى اليوم لكسر شوكة الأمة وقوتها، بواسطة متنفذين قد أظهر تاريخنا المعاصر أخطارهم.

عام .. في الانتظار في السجن المركزي في مدينة صنعاء اليمنية دون أن تتمكن تلك الحقائق في ملف الاتهام من البروز أمام العدالة، رغم قوة بينتها.. وكذا عدم قدرة الدولة على إحضار الجناة الحقيقيين إلى ساحة العدالة، هذه الساحة التي طالما كانت ضحية الطغاة والمتنفذين، وضحية الضعفاء في اتخاذ القرارات.

رجاءً.. لم يعد مقبولا في وسائل الإعلام الحديث عن حقوق الإنسان، لأن من أسوأ الأمور والانتهاكات هي انتهاكات ضمانات المتهمين والسجناء في (محاكمة عادلة)، هذه المحاكمة العادلة التي هي من أسمى حقوق المواطنة.. وفي هذه المحاكمة العادلة معايير يتوجب الأخذ بها لزاما.. ابتداء من مرحلة القبض وحتى المحاكمة وإصدار الحكم.. ومن هذه المعايير التي جرى كتابتها في القانون اليمني أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وليس العكس المتهم مدان حتى تثبت براءته.. وكم وكم من الأمور والقواعد قد انعكست في هذا الوطن، ولذلك إن مبدأ افتراض البراءة يشكل جزءا أساسيا من معايير (المحاكمة العادلة) ويفترض أن يكون هذا المبدأ من لحظة القبض على المواطن.. ومستمرا أثناء مراحل جمع الاستدلال والتحقيق، ولايمكن التقليل من شأن قوة هذه المعايير في هذه المراحل.. الأمر الذي أظهره أحمد المرقشي في كلمته في عدد «الأيام» المذكور آنفا، عند شرحه ذلك في الجزء الأخير من كلمته، عندما تحدث عن الإصابة لدى القتيل.. فهي (أولا) كانت في ظهر القتيل من أسفل لوح الظهر في مدخلها، وفي أعلى الكتف في مخرجها، أي كما نفهم ذلك أن خط الإطلاق جاء من أسفل القتيل وفي موقع خلفه، وأطلق نيران بندقيته من أسفل القتيل إلى أعلى، أي أن المطلق للنار كان تقريبا في وضع (جلوس) خلف القتيل.. بينما المتهم المرقشي- كما يقول ملف التحقيق أيضا- كان على مسافة 30-25 مترا عند بوابة المنزل التابع للباشراحيل... واقفا.

هنا كان على أصحاب العدالة التوقف ومناقشة هذا الأمر قبل اتخاذ الرأي بإحالته للمحاكمة.. ونطلع في مقال المرقشي أيضا على أن أحد الشهود قد أفاد بأن القتل قد تم بإطلاق النار من مسدس أحد المهاجمين، بل وزعيمهم وهو ضابط في الأمن يدعى أحمد الحضاري.. فكيف جرى ذلك دون تحرٍّ ودون تحقيق ودون إحالة للمحاكمة.. التحقيق كان يفترض أن يمر عبر كل الإفادات والتحريات، ويتوقف أمام كل خيط لهذه الجريمة، لا أن ترمى على رؤوس الآخرين ليدفعوا ثمن إنقاذ شخص آخر لأسباب عانيناها طوال ثمانية عشر عاما حتى اليوم.. هذا التمييز في المواطنة هو صورة من صور انتهاك لحقوق الإنسان و(المحاكمة العادلة).. هكذا نحن اليوم منذ 22مايو 1990م ومنذ 1994/7/7م بعد الحرب اللعينة على الجنوب.. وكأنه لم يكن كافيا ماحدث ويحدث اليوم من عدوان مادي على الأرض والوظيفة والمواطنة لأبناء الجنوب.

الله أكبر ولله الحمد سبحانه عز وجل، نرجوه أن يمدنا بالصبر والحكمة لمواجهة هذا الظلم، وندعوه تعالى أن يرفع عنا ظلم هؤلاء الظالمين ويعيد لنا حقوقنا وأرضنا ممن نهبنا، ويعيد إلينا عزتنا وكرامتنا ممن ينتهكونهما .. اللهم آمين.

عام .. عام من القهر والألم، وقواعد القانون الدولي تشترط ضمن معايير المحاكمة العادلة، سرعة إجراءات العدالة.. عامان ومازال الانتظار طويلا.. ألا يلحظ هؤلاء حقا أنهم في ورطة انتهاك خطير لضمانات المتهم السجين على ذمة المحاكمة؟! ألا يلحظ هؤلاء أن مثل هذا العمل والاعتماد على التأجيل الطويل يضر بسمعة العدالة ضررا مباشرا، ويعتبر هذا الانتهاك هو سمة من سمات العدالة اليمنية وصورة معتبرة في أكثر من موقع.. نحن نرى ونعيش ضمن إجراءات محاكمات، تظهر خلالها تجاوزات لحقوق المتهم.. ونذكر هذا في أوراقنا ولو قرأ هذه الجمل بعض من قضاتنا لتذكروا هذه التجاوزات.. ولكن في قضية جلية واضحة، كيف يمكن أن يكون هكذا تأجيلات وعدم بت في الحقائق المذكورة ليقرر أصحاب العدالة صحة الاتهام من عدمه.

معك الله يا أحمد يا مرقشي.. أدعوك إلى الصبر، وأدعو من يناضل في مجال حقوق الإنسان أن يتحرك لعل وعسى أن يتساوى الناس في هذه البلاد.

معك الله يا أحمد يا مرقشي، فصبرك سيعوضه الله لك حسنات وجزاء طيبا ومن حسنات الظالمين يوم الدين حتى ولو سخروا اليوم من كلامنا هذا.. لاتبتئس فالله حق والحق آت لا محالة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى