من ذاكرة مراكز (H.B.L) ..جيش الباديةالحضرمي

> ناصر محمد سالمين المنهالي:

> محطة وقوف :في يوم من أيام الظهيرة أثناء رحلتي من صنعاء إلى وادي حضرموت قاصداً صحراء ثمود في باص النقل الجماعي النمر، كانت حينذاك تلك الوقفة القصيرة التي تزامنت مع المشهادة لذلك المنظر المغلوب على أمره من جراء نتائج الزمن غير المنصف في الحق التاريخ.

حيث اتضح من خلال محطة وقوف الباص أثناء نزول أحد ركابه بالعبر وفي حينها شوهدت عن بعد معالم المشهد لمعلم من المعالم التاريخية صادر من الأزمان القديمة لجيشها أصوله من الأصالة البدوية الحضرمية ذات الاستقامة والشجاعة والكرم والأخلاق الحميدة .. تمثلت تمركزاته في المواقع بالصحاري والأطراف المترامية وفي عباب البحر بسقطرى الجزيرة .. وتحركاته أثناء سير دورياته في مسار الكثبان الرملية المتحركة في بقاع الربع الخالي .

لمحة بصر :

في تلك اللحظة التي قدرت بلمحة بصر مباشرة قصدت النظر إلى صوب الموقع الواقع عليه مركز جيش البادية الحضرمي بالعبر الذي أقيم على ضفة الوادي، بمسافة قريبة جداً من المصدر الرئيسي للمياه البئر القديمة الواقعة في منتصف الوادي بالعبر مشغولاً بتركيز نظري نحو الاتجاه لذلك المكان، قبل تحرك الباص في خط رحلته الطويلة عند انحدار الوادي .

المبنى المتهالك :

أثناء تلك الوقفة الوجيزة التي اعتبرت في حد ذاتها نقطة وقوف في محطة من المحطات التاريخية وعندما بدأ يتحرك باص النمر شاهدت من النافذة في وضح النهار ذلك المبنى المتهالك الذي لازال شامخا على الرغم من أنه قد أصبح خرابة بما تعنيه هذه الكلمة من معاني الإهمال والاندثار وهو مركز جيش البادية الحضرمي بالعبر، الذي يعد من أقدم المراكز والحصون والقلاع العسكرية للجيش البدوي الحضرمي (H.B.L) بعد مركز ليجون بغيل بن يمين الذي شهد أول تمركز لقيادة جيش البادية عند تأسيسه في أواخر ثلاثينات القرن العشرين قبل انتقال قيادته إلى حصن ثومة بمدينة المكلا .

التمركز + الدوريات :

تلك المنطقة هي العبر التي تعد من المديريات الصحراوية بحضرموت، وقد تمركز في ذلك المركز العسكري جيش البادية الحضرمي بقوام سرية من سراياه المتعددة مع انطلاق الدوريات بالسيارات الجيب، اللاندروفر، البيكب، البيد فور وعلى متنها جنود وصف ضباط وضباط وقيادة عسكرية محنكة امتداد لخبرات من القيادة المجربة المنتدبة من جيش الأردن الشقيق للعمل في قيادة جيش البادية الحضرمي من بداية تاريخ تأسيسه حتى نهاية خمسينات القرن الماضي، وتلك الفترة هي فترة انتداب الضباط القادة الأردنيين، الذين فيما بعد حل محلهم ضباط قادة من قبائل حضرموت ومن بقية مناطق المحمية في قيادة الجيش وقادة السرايا والفئات من ذوي الخبرة والكفاءة والاقتدار في مجال القيادة والأركان العامة، وكانت تنطلق الدورية من ذلك المركز ومن بقية المراكز العسكرية الممتدة على مستوى الشريط الصحراوي من مركز عساكر غرباً إلى مركز حبروت شرقا، مروراً بخشم الجبل ووادي حزر.

وتتحرك تلك الدوريات بانتظام لذلك الجيش المنظم والمنتظم في كافة شؤونه الإدارية والمالية والتموينية والإمدادية لكفاءته وقدرته الجاهزية في القوة البشرية المدربة والعتاد العسكري، حيث كان جيش البادية قوياً في زمانه، وبقوته تم حفظ السلام والأمن والأمان على الحدود الصحراوية للمحمية الشرقية آنذاك التي كانت تضم سلطنات حضرموت والمهرة (القعيطي، الكثيري، بن عفرير المهري وأجزاء من مناطق سلطنة الواحدي) .

الجيش البطل :

إن مراكز جيش البادية الحضرمي تعتبر حصونا وقلاعا عسكرية ضربت المثل التاريخي في الشأن العسكري الحضرمي لأهميتها لكونها بنيت في مواقع دفاعية ومازالت شامخة عبر الزمن على الرغم من الحالة المندثرة لوضعيتها في الوقت الراهن نتيجة لما لحق بها من أضرار في الشكل الهندسي لمبانيها والتي بنيت بطريقة موحدة في البناء، حيث يتكون مبنى المركز من الطابق الأول الذي يحتوي على ثكنات صغيرة لسكن الجنود والصف والضباط ومستودعات للسلاح والذخيرة والمؤن الغذائية ولوازم العهدة ومطبخ وحوش داخلي مع سدة خارجية للمركز.

أما الطابق الثاني فمكون من نوبتين الأولى لقيادة السرية والثانية لأجهزة الاتصالات (البرقية) مع ساتر طويل (جدار) مبني على أطراف سطح الطابق الأول وتوجد به فتحات صغيرة تستوعب مرور ماسورة البندقية من كل الاتجاهات لصد الحالات الخطيرة لمواجهة أي تقدم مضاد على قوة المركز وبطبيعة الحال فإن أسباب حالات اندثار تلك المراكز تبعا لتغيرات الزمن وتقلبات الأحوال المتغيرة، حيث كانت تلك المراكز مواقع عسكرية مهمة لمواقعها الاستراتيجية الهادفة إلى ضبط الاختلالات الأمنية على الحدود وغيرها من الحالات المؤثرة على الحالة الأمنية بالمحمية ومنها الغزوات القبلية مابين قبائل المشقاص وقبائل القبلة، والغزوة تتكون من خيرة شجعان القوم مثلما قال الشاعر: لاتغزي بقوم إلا قد غزت خل المغازي لأهلها .. إلخ.

والجدير بالذكر أن ذلك الجيش البدوي الحضرمي قد استبسل من خلال استتباب الأمن في ربوع المنطقة بشكل عام، فأصبح بذلك عقيد القوم مصلحا قبليا، وصارت تلك المراكز شواهد تاريخية عبر المراحل من تاريخ المجد القديم للجيش البدوي الحضرمي البطل .. مما حدا بالشاعر عبدالله بن مزروع الصيعري إلى القول :

دحقت الكور حافي على عرضه وطوله

معي شبان حازوا على شهادات البطولة

نقطة أخيرة :

على هذا الأساس المرتكز على هذه النقطة الأخيرة رأينا المناشدة الموجهة إلى المقام الموقر لجهات الاختصاص وذات العلاقة بأن تتم اللفتة الكريمة لهذه المسألة التاريخية من خلال إعطاء العناية والاهتمام بإجراء عمليات الترميمات اللازمة لمراكز جيش البادية الحضرمي قدر الإمكان والاستطاعة وهي: مركز ليجون بغيل بن يمين، مركز العبر، مركز ثمود، مركز زمخ، مركز منوخ، مركز سناو الذي صار أثراً بعد عين نتيجة المناوشات العسكرية في سبعينات القرن الماضي، مركز المصينعة، مركز سقطرى، حصن ثومة بحضرموت، مركز جبروت بالمهرة، ومركز عساكر بشبوة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى