ثقافة سائدة معيقة ...حتى في القرار السياسي

> المحامية/ عفراء حريري:

> كم هو جميل أن نسمع كل أصحاب القرار السياسي دون استثناء يصرحون بأنه ليس هناك أي مبرر يمنع النساء من إمكانية المشاركة في الانتخابات وأن يكن في أعلى السلطات - هذا هو الخطاب - ولكن تظل ثقافة الوعي لديهم مثقلة بالأعراف والعادات والتقاليد فيبدو وكأنهم مكرهين على قول تلك التصاريح.

إن قضية دخول المرأة للبرلمان ستبقى مسألة معقدة في معادلة تدخل مؤثرات الديمقراطية للعالم الخارجي “ الدولي “ وبين نزاعات المجتمع وحساسيته والسلطة الذكوية المصلحية في نظام القبيلة ، إذ أن المعضلة لا ترتبط بالحقوق السياسية وإنما بالمحيط الاجتماعي فغياب برامج واضحة من طرف السلطة السياسية تجاه هذه القضية يؤدي إلى تقييم غير مجدي وغير فعال للمواقف في دعم ترشيح النساء لأنفسهن والإشارة إلى هذه التناقض لابد أن يجعل النساء يتسألن :

هل الترشيح أو الانتخاب هو موقف نابع من ذواتهن ، أو هو موقف أحزابهن أومن يقوم بدعمهن ؟؟ فالإجابة النموذجية لمثل ذلك التساؤل تتجلى في أن التشكيلة التي تنتمي إليها النساء تفتقر إلى موقف توافقي بشأن قضاياهن السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، لان الأحزاب السياسية تهتم بالنساء اهتماما بالغا خاصة في فترة الانتخابات كناخبات أو لإسهامهن في الحملات الانتخابية لمساندة نجاح المرشحين الرجال وليس كمرشحات / وهذه هي الحقيقة ، فمن السهل والبساطة أن تقوم النساء بحشد الناخبات عن طريق طرق أبوب البيوت ومحاولة إقناع الأخريات بشتى الوسائل والإغراءات ومن ضمنها المبالغ المالية لاختيار المرشح “ الذكر” اللواتي يقدن حملته الانتخابية ، ليس لان المرأة لا تستحق ، بل لأننا نعيش في مجتمع محافظ / وهذا الاعتراف يمكن انتزاعه ببساطة من أصحاب القرار السياسي ، فالمسألة إذا يحددها الموقف من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية لإقرار مواطنة كاملة للنساء غير منقوصة كما هي في الدستور وبعض القوانين الوضعية وجميع الإجراءات عند تنفيذ القوانين ، فمتى ما كان الإقرار كاملا تصبح مسألة تمكين المرأة في مزاولة حقها السياسي كفالة للحصول على جميع الحقوق الأخرى؟

من الوهلة الأولى تستشف في جميع التصاريح نبرة تحديث رغم عدم تجانسها إلا أنها في مجملها تعتبر قضية المرأة أكبر مشكلة في المجتمع / حيث نجدهم يعترفون بالظلم الذي يطال النساء بإبعادهن عن المجال السياسي ، متناسيين بشكل عام أن المجتمع اليمني له رؤية رجعية تجاه النساء وأن هذه الرؤية هم من صنعوها - أي الأحزاب السياسية بدون استثناء - لان هذه الأحزاب لم تلعب دورا فيما يخص تحسين الوضعية السياسية للنساء وخير دليل هو غياب المرأة عن مراكز القرار داخل الإطار الحزبي وحصرها في القطاعات ، كما وأن هذه الأحزاب لم تقم بمبادرات تهدف إلى رفع مستوى وعي المجتمع بأهمية دور النساء ، وما يزيد الطين بله هو عدم إشراك النساء في كل شأن خاص وعام ، حيث نلاحظ غياب النساء المثقفات اللواتي من الممكن أن يلعبن دورا جليا في رفع مستوى وعي النساء الأميات تجاه قضاياهن وأهمية تواجدهن في المجال السياسي لان أولئك النساء “ الأميات ، المتعلمات ، متوسطات الثقافة ، وربما يكن بعض المثقفات أيضا “ مازالت ثقافة المجتمع السلبية تجاه ذواتهن وتجاه أدوارهن هي السائدة ولا ننسى أن عدم وجود نماذج نسائية رائدة في المجال السياسي يعزز من بقاء تلك الثقافة كما هي ، إذ أن النموذج النسائي في المجال السياسي وقد يكون في المجالات الأخرى ما يزال غائبا و منسيا مهملا في وعن كل الشؤون الخاصة والعامة وهذا بدوره لا يحفز عامة النساء للتفاعل مع غيرهن أو للاهتمام بتواجدهن في المجال السياسي ومن هذا المنطلق تعتبر النساء هن الوحيدات والأكثر جدارة في معالجة أوضاعهن ، متى ما تولدت لديهن القناعة الكاملة لتنشيط أنفسهن مع بعضهن البعض ومواجهة مختلف الصعوبات التي تعيق تحقيق مشاركتهن في المجالات المختلفة .

ومن بين سطور تصاريح أصحاب القرار السياسي والإجراءات عند التطبيق نقرأ تأكيدات مدى حجم الأعراف القبلية التي تحول دون أي رؤية إيجابية في المناخ العام لقضايا المرأة ، فالبعض يربط وضعية النساء بالعملية الديمقراطية عامة ويرى أن عدم مشاركة النساء سياسيا ظاهرة عامة يعاني منها الجميع ذكورا وإناث والبعض الآخر يتحجج بالإسلام الذي لا يعارض تواجد النساء في المجال السياسي وإنما يقصر الأولوية في دور المرأة داخل إطار الأسرة حيث ينبغي أن تكون..

وهكذا تظل العوائق أمام مشاركة النساء على علاقة وطيدة بالعقليات في تصريحات أصحاب القرار السياسي ويتبعه الرأي العام “ المجتمع - رجالا ونساء - “ حيث تصبح نسبة الأصوات التي تحصل عليها النساء ضئيلة مقارنة بالأصوات التي يحصل عليها الرجال ليس من الرجال فحسب بل من النساء أيضا لافتقارهن لكل أشكال التآزر فيما بينهن ، وبذلك تظل الاعتبارات الشخصية للولوج في الانتخابات من قبل الجميع “ نساء ورجال “ هي المسيطرة والمهيمنة منذ الوهلة الأولى للمشاركة ، إذ أنه لم تتوفر بعد إرادة وقناعة حقيقية لفهم واستيعاب الأسباب الكامنة خلف العوائق التي تحيل دون مشاركة النساء في المجال السياسي والتأثير فيه .

إن الأمر بمجمله يتعلق بالقيم السائدة في المجتمع ، فينبغي فرض الحقوق في إطار المواطنة التي يستلزم عدم التنكر لها ووجوب تمتع النساء بجميع حقوقهن وبالتالي فرض المساواة والإنصاف في الدستور والقوانين لإتاحة الفرصة للنساء هي القضية الأساسية التي لا يريد أصحاب القرار السياسي أن تحظى بجميع أبعادها بالاهتمام

فتصبح موضوعا للتفكير الذي يتحول بدوره إلى نص دستوري وقانوني واجب وملزما للجميع .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى