الفقيد صالح القاضي.. وأرخبيل حنيش وشريط الذكريات

> أحمد عبدالله امزربه:

> فقيد الوطن العميد الركن صالح القاضي سالم بن لزرق خبير استراتيجي وعسكري من الطراز الأول له بصمات في بناء الجيش بعد الاستقلال وهو من القيادات العسكرية البارزة التي لها تأثير في كل وحدة من وحدات القوات المسلحة التي تقلد قيادتها ابتداءً بقيادة سلاح الإشارة ومروراً برئاسة العمليات الحربية.

وقيادة سلاح المهندسين وأخيراً قيادة أرخبيل حنيش والجزر اليمنية. وسلاح الإشارة كان يحتوي على خيرة المناضلين قبل وبعد الاستغلال منهم على سبيل المثال المناضل الكبير محمد حيدرة مسدوس والمناضل البارز محمد صالح عبده والشهيد محمد عبدالله باصهيب والشهيد عبدالله محمد امجذاره والشهيد محمد عبدالله أمزربه وغيرهم الكثير من المناضلين والشهداء لا تسعفني الذاكرة بأسمائهم أرجو العفو والمعذرة منهم .

أثناء قيادة الفقيد صالح القاضي لسلاح المهندسين أشرف على بناء المعسكرات والدفاعات العسكرية وشق الطرقات في الجبال للوحدات العسكرية، وأهمها في محافظة المهرة وبالتحديد المنطقة الحدودية العمانية اليمنية وكذلك بنائه معسكر سلاح المهندسين في محافظة عدن مديرية دار سعد، الذي لازال حتى يومنا هذا، قال لي رحمة الله عليه: عندما كنت قائداً لسلاح المهندسين في سبعينات القرن الماضي هطلت أمطار غزيرة على محافظة أبين وبالتحديد عاصمة المحافظة وتضررت بعض المنازل ومنها منزل الحاجة (خزانة) والدة الرئيس الشهيد سالم بيع علي. قال القاضي (رحمه الله): عندما علمت اتصلت بالأخ الرئيس (سالمين) وطلبت منه أن يسمح لي بإعادة ترميم منزل والدته المتواضع، ولكن سالمين رفض عرضي هذا قائلاً لي: ومن سيعيد ترميم المنازل المتضررة الأخرى ووالدتي مثلها مثل أي مواطن آخر، وإذا تم تعويض المواطنين المتضررة منازلهم سيتم تعويض والدتي مثل أي مواطن، وأنا (والحديث لسالمين) قدمت على قرض من البنك الأهلي بمبلغ عشرة ألف شلن تخصم بالتقسيط من راتبي لترميم منزل والدتي. قال القاضي (رحمه الله): هكذا علمنا الرئيس الشهيد سالمين النزاهة والحفاظ على المال العام، وحكى لي الفقيد صالح القاضي الكثير من الأحداث والوقائع التي عاشها في كل المراحل والتي لا يتسع المجال لذكرها وسنكتب عنها بالتفصيل إن شاء الله في كتاب ننوي إخراجه عن حياة هذا الرجل المتميز في الشؤون العسكرية والسياسية.

آخر منصب تقلده الفقيد صالح القاضي سالم بن لزرق قائداً لأرخبيل حنيش والجزر اليمنية، وهنا قصة كيف تم تعيينه قائداً للأرخبيل : قبل عام من احتلال جزيرة حنيش من قبل الجارة إريتريا قدم الفقيد العميد صالح القاضي تقريرا للأخ وزير الدفاع السابق اللواء الركن عبدالله علي عليوه حول الجزر اليمنية وبالتحديد أرخبيل حنيش، وأهمية هذه الجزر، والأطماع الإقليمية في هذه الجزر، وتكهنه بإقدام إريتريا على احتلال جزيرة حنيش، لأنها تفتقر للحماية، كما شمل التقرير خطة لحماية هذه الجزر والحفاظ عليها.

بعد عام بالكمال والتمام من تسليم التقرير إلى اللواء عليوه تم احتلال جزيرة حنيش من قبل القوات الإريترية، وأثناء ذلك سلم وزير الدفاع التقرير المقدم من قبل الفقيد العميد الركن صالح القاضي بن لزرق إلى الأخ رئيس الجمهورية وعند قراءته التقرير أصدر رئيس الجمهورية قراراً جمهورياً يقضي بتعيين العميد الركن صالح القاضي بن لزرق قائداً لأرخبيل حنيش والجزر اليمنية، وكلف الفقيد صالح القاضي ببناء مواقع دفاعية على هذه الجزر.

عند ذهابه لاستلام مهام عمله انتقل من الحديدة متجهاً إلى جزيرة حنيش على قارب صغير بمحرك واحد يعمل بمادة الديزل، حيث تم تزويد المحرك بالوقود، وحملوا معهم خزانات احتياطية على ظهر القارب، وبدلاً من تعبئة الخزانات الاحتياطية بمادة الديزل تم تعبئتها بمادة (الكيروسين).

عند نفاد الوقود من المحرك في عرض البحر أراد القاضي ومرافقوه تزويد المحرك بالوقود وكانت المفاجأة حين وجدوا الخزانات الاحتياطية معبئة بمادة (الكيروسين) التي لايمكن تشغيل المحرك بها، فتوقف المحرك عن العمل فتاه العميد صالح القاضي ومرافقوه ثلاثة أيام بلياليها في عرض البحر تتقاذفهم الأمواج، وفي صبيحة اليوم الرابع قذفتهم الأمواج إلى شاطئ الصليف بعد أن كادوا يهلكون من الجوع والعطش، وتم نقل العميد الركن صالح القاضي رحمه الله ومرافقيه بمروحية عسكرية إلى القاعدة الجوية بالحديدة، وقدمت لهم هناك الإسعافات الأولية وبعدها نقلوا إلى صنعاء لتلقي العلاج.

أثناء زيارتي في صنعاء حكى لي رحمه الله كيف واجه الموت، وأنهم هالكون لا محالة لولا عناية الله ولطفه، حيث قال:«يئسنا من النجاة»، وفي هذه الأثناء مر أمامي شريط من الذكريات، فيه صور كل الشهداء من أبناء مسقط رأسي (قرية امسلاميه) وكلما يمر أمامي أحدهم يتوقف للحظات يخبرني باسمه وتاريخ استشهاده فذكر لي رحمه الله (41) شخصية من خيرة الرجال جميعهم أقاربه وأبناء عشيرته ومن مسقط رأسه (قرية امسلاميه) دونهم لي في ورقة أحتفظ بها (ستنشر في الكتاب بإذن الله). قلت للفقيد صالح القاضي رحمه الله) :«أنا أعرف أن معظم هؤلاء الشهداء لا تستلم عائلاتهم رواتب والذين يستلمون رواتب منهم لا تتعدى عشرة ألف ريال»، قال رحمه الله بسخرية:«تصنع من العوسج رماح ومن الغفل أقدام» فهمت قصده وقرأت له بيتا من الشعر يقول:«تصبر أيها العبد اللبيب/لعلك بعد صبرك ماتخيب/وكل الحادثات إذا تناهت/يكون وراءها فرج قريب» رحمه الله وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان.. إنا لله وإنا إليه راجعون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى