مكانة الشعر في الجاهلية

> «الأيام» د. عبده يحيى الدباني:

> حظي الشعر لدى عرب الجاهلية بمكانة عالية لاتضاهيها مكانة وكأنما كانت أشعارهم هي أناجيلهم المقدسة فقد سأل عمر بن الخطاب كعب الأحبار عما إذا وجد ذكراً للشعر في الكتب المقدسة فقال كعب : لقد وجدنا ذكر أناس أناجيلهم في صدورهم لاتعلمهم إلا العرب، ويقصد بالأناجيل هنا الأشعار.

وهذه الرواية تتفق تماما مع ماقيل من أن الشعر ديوان العرب، فهو سجلهم الخالد الذي يحمل عاداتهم وتقاليدهم ومكارم أخلاقهم، وهو الذي يرسخها وينظر لها فقد كانوا يستمدون منه سلوكهم على مافي هذا السلوك من تطرف جاء الإسلام فيما بعد ليهذبه ويشذبه، فمنه قد استمدوا صفة الكرم أو هو الذي عزّزها ونشرها وأحلّها ومنه استمدوا إكرام الجار والشجاعة والنجدة والمروءة والغيرة وغيرها من الصفات المحمودة. قال أبو تمام في هذا المعنى :

ولولا خلالٌ سنّها الشعر مادرى
بغاة الندى من أين تؤتى المكارمُ

والشعر هو الذي كرّه لهم مساوئ الأخلاق كالبخل والجبن وغيرهما وانطلاقا من كل هذا فقد كانت العشيرة أو القبيلة تحتفل ابتهاجا حينما ينبغ فيها شاعر لأنه سيخلّد ذكرها وسيذود عن أحسابها وسينال ممن أرادوا النيل منها، فالشاعر في الجاهلية هو صحيفة قومه السيارة وهو كتاب تاريخها ومعلمها وسفيرها لدى الأقوام الأخرى .

قال عمر بن الخطاب يوما: «كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم غيره» ، وقال ابن عباس موجها الناس إلى فهم القرآن:«إذا شكل عليكم لفظ في القرآن فاطلبوه في شعر العرب فإن الشعر ديوان العرب». فهذان القولان شهادتان كبيرتان من عالمين صحابيين جليلين برفعة مكانة الشعر لدى العرب لاسيما في جاهليتهم .

لقد استطاع الشعراء في الجاهلية أن يخلقوا وعيا عربيا قوميا من أشعارهم ذات اللغة الواحدة المعربة، تلك اللغة الأدبية التي كانت القاسم المشترك الأكبر في توحيد العرب قبل الإسلام، لأن لهجات القبائل المحلية كانت محدودة التناول، أي كانت كل لهجة شائعة في إطار قبيلة معينة أو وسط جغرافي محدد بينما اللغة الفصحى لغة الشعر الجاهلي كانت لغة أدبية مفضلة ومفهومة لدى العرب كافة فجاء القرآن الكريم بهذه اللغة المصفاة وزادها صفاء وجمالا وتشذيبا وتهذيبا ووسع من دائرة انتشارها. ومن هنا فإن الشعر الجاهلي قد خدم الوحدة القومية ورسّخ الشعور القومي، كما أفاد المسلمين بعد الإسلام في معرفة كتابهم المقدس .

وقد كان العرب عموما حضرهم وبدوهم يتأثرون للكلمة البليغة الجميلة، وكان لها في نفوسهم أثر السحر حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من البيان لسحرا. وحتى عندما جاء بكتابه فقد جاءهم من نقطة قوتهم وتحداهم من خلالها إذ إن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم هي القرآن الكريم بما فيه من بلاغة وفصاحة وبيان كلها كانت في الذروة العليا .وكم قرأنا عن أقوام رفعهم الشعر وآخرين هبط بهم من أعلى الأماكن نظرا لأثر هذا الفن في نفوس أصحابه حتى وإن صور الشعر الحق باطلا والباطل حقا، فإنه يبقى له أثره في توحيد القناعات والامتناع على حد سواء، حتى لقد قال أحد الشعراء يذكر قبيلة تغلب:

ألهى بني تغلب عن كل مكرمة

قصيدة قالها عمرو بن كلثومِ

ولم يكن الشعر في الجاهلية محايدا من الناحية الدينية إذ تخللته الكثير من القيم الدينية الحنيفية التي كانت من بقايا دين إبراهيم الحنيف مثلما تخللته بعض المعاني الدينية التي تعود إلى ديانات سماوية أخرى كاليهودية والنصرانية ومن شعراء هذا الاتجاه الديني قبل الإسلام أمية بن أبي الصلت وزيد بن عمرو .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى