قصة قصيرة .. أم الفال

> «الأيام» مختار مقطري:

> قالت لي أم الفال إني سأتزوج أربعاً، وسأزني بعشر، لكني لم أتزوج غير واحدة، فقيرة ومتوسطة الجمال، لم أزن قبلها، ولم أخنها قط، وماتت بعد انطفاء جمرتي، يوم اشتعلت الطائرتان بالبرجين في أمريكا.

وقالت لي أم الفال وهي تبتسم إني سأنجب أحد عشر، لكني لم أنجب غير بنت (منغولية)، وولد فشل مرتين في تجاوز المرحلة الإعدادية، فألحقته بورشة لإصلاح السيارات، وبعد شهر فقط، قذف خزان سيارة (بيجوت) على وجهه بماء ساخن فأحرق عينيه، ومن يومها صرت مسؤولاً على ثلاثة: أعمى وفتاة متخلفة عقلياً وامرأة لا تشبع.

وأم الفال قالت لي إني سأكون غنياً، وسأمتلك العمارات والسيارات والأراضي وأرصدة في البنوك.

وإلى اليوم وأنا أوشك على إكمال ستين عاماً، مازلت فقيراً، بل ربما أنا اليوم أفقر رجل داخل عدن، فقد ازددت فقراً، منذ دخول أول دبابة وتطبيق (الخصخصة)، وغزو الجراد، والترويج لتجارة (المساويك)، وتحريم الفصل بين أداء فريضة الحج وبيع المسابح، ومنذ أن الحديد، وقرب البعيد، وزال الحياء من وجوه الرجال.

جمعت أم الفال الصدفات الست، وألقتها مرة أخرى على منديلها المفروش، وقالت لي بنبرة مؤكدة، إن صحتي ستبقى ممتازة، وإني لن أدخل مستشفى، وسأموت بعد عمر طويل، لكني وفي أربعين عاماً، استأصلت (الكلبة) واللوزتين، الزائدة الدودية، والمرارة، وعانيت الربو سبع سنوات، وفي حرب (13 يناير) قطعت رصاصة ضالة سبابة يدي اليمني، وفي الحرب الأخيرة قطعت قذيفة شمالية ساقي اليسرى من وسطها ومنذ عشر سنوات بدأت أعاني آلام الكلى، والارتفاع في السكر وضغط الدم، واليوم.. لم تعد حالتي الصحية قادرة على تحمل عملية جراحية لاستئصال الطحال.

آخر ما قالته لي أم الفال، إني سأسافر كثيراً، إلى الهند والسند، وبلاد النصارى وبلاد (واق الواق)، لكني لم أسافر في حياتي غير مرتين، المرة الأولى حين جندوني وشحنوني في طيارة روسية إلى المهرة، حسبت يومذاك أن المهرة هي الحد الأخير للكرة الأرضية، والمرة الثانية عندما سافرت إلى صنعاء، لأتابع معاشي الذي تأخر صرفه عدة أشهر، ثلاثة أيام فقط، هربت من صنعاء، شعرت فيها بأني كاليتيم في وليمة بخلاء، كرهت بردها، والزحمة في شوارعها، وأنا أكاد لا أقوى على شق طريقي بساق سليمة وساق من البلاستيك.

غشتني أم الفال، وربما قرأت تفاصيل حياتي المأساوية، في ترتيب صدفاتها الست، وخشيت أن تصارحني، كذب المنجمون ولو صدقوا، وهي صدفة فقط أن عمري طويل، كما قالت أم الفال، وكم تمنيت لو كان قصيراً، وفي كل مرة لم أكن صادقاً في التمني، واليوم.. وأنا أقترب من الستين، أتمنى أن أعمر مائة عام، الروح حلوة، وحب الحياة غريزة، والله وحده يعلم الغيب، وهو وحده مبدل الأحوال ومفرج الهموم.

* المرأة التي تشتغل بالتنجيم ومعرفة الطالع

يناير 2009م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى