عندما يتكلم شارع المكلا

> علي سالم اليزيدي:

> من أكبر الأصوات وما تحدثه من دوي وتأثير هو شارع المكلا المدينة الحضرمية المتمدنة، وعاصمة حضرموت الحديثة والمعاصرة، والمدينة المثقفة والمجاورة لخطوط التجارة البحرية على ساحل بحر العرب ومدينة الدولة والقبائل والمثقفين والبيوت الحضرمية الأصيلة من كل حدب وصوب وجبل وصحراء .

هنا يتكلم شارع المكلا على مر الزمن، بل وقف هذا الصوت واللسان مرات ومرات، وتغيرت بتأثيره مواضيع وخطوط وكراس وجلادون وأدوات سلطة وحكم أساءت استعمال نفسها ضد الناس وضد شارع المكلا بالذات.

يتكلم شارع المكلا ويجيد الحديث بلغات عدة وفنون في الغمز والشفرة وكيفية النطق، وهو ما يقال له (ما يفهم رطني إلا ابن بطني).

وشارع المكلا ليس ملكا للمكلاويين وحدهم، إذ في هذه المدينة الساحرة، المثقفة، البدوية، الساحلية، مدينة الرفض والرأي، هنا تجتمع كل حضرموت وأبنائها ومن أحبها وعاش وولد بها، لا فرق.. هنا يسكن من أبناء المكلا الحضارم من صور العمانية ومن يافع ومن اليونان ومن إيطاليا ومن أرض الدكن ومن باكستان وأفغانستان ومن إيران ومن المهرة والبيضاء ونجد وعدن ومن قبائل الصيعر والحموم ونهد والعوامر والجابري والعلويين السادة وآل بن اسحق وآل بن نبهان وآل دعكيك وآل مرسال وآل حقان وباحسين وبني حسن والكابرة والمحمديين وآل الحيق وباسلوم، كل شبر في حضرموت هو مدينة المكلا وشارعها الذي يتكلم فما الذي يقوله.. يا ترى؟!

يتكلم ولا يسكت ويرفع الصوت ويقاوم ويعلن الرفض للخطأ حتى لو كان هذا مكلفا مثلما حدث كثيرا. كان شارع المكلا هو الحاضر الأول ولا أستثني هنا دور المدن الحضرمية الأخرى المكملة لصوت الرأي المقاوم، يوم أرادت حضرموت اللحاق بالعصر والتقدم مع نهضة الشعوب، يوم فشل الحكم في الانتقال لمواكبة طموح الجماهير، خرج شارع المكلا ولم يعد إلى بيته إلا وقد تغيرت الأوضاع يومئذ! وقف شارع المكلا رافضا التصعيد لإجراءات أخطأت طريقها بعد قيام الثورة، وتمادت في عام -70 1971 بالصدامات ضد السلطة والعمال والمواطنين، ونتذكرها كلنا، ومع تراجع الشارع إلا أنه بقي ينقر بمنقاره حتى انسكب ما في المسب، وتطايرت الأوراق بعد ذلك ولاحقتها أصوات أبناء المكلا!

تكلم الشارع ودفع تضحيات قبل 1967م ثم رفض الظلم والاستبداد وسرقة حلم الناس، ما بعد 1994م وقف ضد الرصاص والهراوات، ومثلها عام 1998م و1999م وخرجت المكلا في مواجهات ومازالت تعلن الرفض والمقاومة، طالما غاب العدل وبقي الظلم وعسكرة الأجواء والشوارع لحماية سادة الحكم والأتباع في حضرموت وحولها.

تكلم شارع المكلا وقال كلاما مقاوما وعاليا في أحداث اختطاف الطفل (فاروق) وهي عنوان لظاهرة الانفلات والدولة الرخوة، وما ينتج عنها هو رثاء لحالة امتدت حتى أرادت دخول منازلنا وإقلاق حياة الناس الآمنة، ومع الإعجاب الكبير الذي تفرد به شارع المكلا يومئذ! أرادت بعض الأصوات التي تقف ضد شارع المكلا وكما يقول المثل (رجل في الظلال ورجل في الشمس) أن تغلق أذنا وتنصت بأذن واحدة فقط، وعندما تكلم شارع المكلا كان له الفضل الأول في تحول الأوضاع، وما مثله من ضغط شعبي لم يستثنَ منه أحد. أرادت بعض الأصوات الهزيلة المتعجلة للمناصب، بل والتي تستخدمها السلطة لتحرف الكلم عن موضعه، فما الذي حدث؟ سقطت في الوهم، ونجح الشارع المكلاوي الذي أوصل رجالا كثيرين إلى مقاعد الحكم والدولة والانتخابات.

عندما يتكلم شارع المكلا يجيد إطلاق مفتاح الشفرة، وترجمة الرموز في ثوان فقط، وشهد له التاريخ بسقوط صناديق وأسماء، وتفوق صناديق وأسماء! والسبب أنه وحده شارع المكلا يفهم من (غريمه) ومن يطلق عليه ما قالته أم كلثوم في أغنيتها (كان زمان) ويبقى شارع المكلا حاضرا في المكان والزمان.. مهما ومهما..!!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى