المعذرة ياهشام (من شاف مايكره يفارق مايحب)

> المحامي/يحيى غالب الشعـيبي:

> أستشهد بقول شاعر الغناء اللحجي (القمندان) بقصيدته الغنائية المشهورة (بعدما راح الهلي روحي تعب) وأحد أبياتها عنوان موضوعي اليوم الذي يعد الأول بعد عودتي إلى سطح الأرض من غياهب زنازن صنعاء المظلمة التي قضيت فيها 6 أشهر مع رفاقي معتقلي الجنوب الأحرار.

وبعد خروجي لم تتسعني عدن الحبيبة الغالية بل ضاقت بي وكما قال الشاعر العربي (لعمرك ماضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضيق), ورحلت قسرا من عدن الحبيبة ولكن جسدا بلا روح, روح ممزقة مشردة الأحاسيس التي تعيش مع عدن (الأيام الصحيفة) ومع الأيام الجميلة من ثانوية 14مايو بالتواهي في مطلع الثمانينات إلى الجامعة وإلى معترك ساحة الدفاع عن المقهورين في رحاب المحاكم وأروقة النيابات وأقسام الشرطة وساحة الحرية والهاشمي (والرزمت) وحركة الاحتجاجات السلمية في عدن وأهازيج الرجال وإلى زنازن شرطة القلوعة وزنازن إدارة البحث الجنائي عدن ومهاجمة المنازل بالقوة وتكبيلي بالقيود الحديدية منتصف الليل واقتيادي إلى صنعاء .

مازالت وستظل صحيفة «الأيام» تعيش وتعشعش بمخيلتي مادامت حيا, كيف لا؟ و«الأيام» وأسرة تحريرها وعلى رأسهم المناضل الأستاد هشام باشراحيل، الرجل الإنسان الوفي لأصدقائه.

هشام الذي جمع بين ثقافة الانتماء والأصالة المتجذرة، الوفاء ورد الجميل من سمات هشام باشرحيل، كنت تحت الأرض بالزنزانة الانفرادية بسجن صنعاء في أحلك ظروف الحياة وكان الأمل يحدوني بالرجال الشرفاء وفي مقدمتهم هشام باشراحيل وصحيفة «الأيام» والحمد لله لم يخب الظن وكانت «الأيام» لسان حال المعتقلين السياسيين أبناء الجنوب وهشام باشراحيل صوت من لاصوت له.

اليوم يتعرض المناضل هشام وصحيفته لمحاكمات باطلة وتم إعادة تشغيل آلة القهر السياسي ضد «الأيام»، هذه الآلة القذرة المستمرة مند أن وضعت الحرب أوزارها عام 1994 في الجنوب وجعلت «الأيام» وكتابها وصحفييها هدفا لمرمى نيابة الأمن القومي ولم تكتف السلطة بما عملت بمنزل هشام وأسرته ودار «الأيام» في صنعاء والإيقاع بالمواطن الشريف أحمد عمر المرقشي بغياهب السجن المركزي وتستحضرني الذاكرة المنهكة أن أهم الاتهامات الموجهة إلينا في تحقيقات الأمن القومي تهمة المشاركة في اعتصام سلمي أمام دار «الأيام» أثناء محاصرة هشام وأولاده بصنعاء وتهمة حضورنا لقاء مع السفير الأمريكي في دار «الأيام» بعدن وقلنا لهم لم نلتق بالسفير وإنما اعتصمنا سلميا تضامنا مع هشام.

رغم أن المحقق أورد تفاصيل مضبوطة عن موقعي متكئا على حجر بجانب سور «الأيام» الخارجي والهتاف الذي كنت أردده مع الجماهير ومن كان بجانبي وغيرها من الوقائع التي لاتحتاج إلى إثبات لإنها حصلت بوضح النهار .

المهم اليوم يعود هشام البطل إلى قاعات المحاكم والنيابات وأتذكر خطابا وجهه هشام قبل أعوام لرئيس محكمة صيرة قال فيه (أحضروا لي مستلزمات عملي البسيطة وسأداوم في قاعة محكمتكم) بعد أن توالت قرارات الاتهام لتعطيله عن عمله.

اليوم أجد نفسي محرجا أمام هشام «الأيام» في محنتهم لرد الجميل. المعذرة لهشام ولـ«الأيام» وأقول لهم ماقال الشاعر القمندان (من شاف مايكره يفارق مايحب)، نعم ياهشام لقد لاقيت ما أكره وشاهدت في زنازن القهر ما يجعلني أفارق أحبابي وناسي ونسمة حياتي (عدن) لا أستطيع الدخول إلى المحاكم والنيابات كمحام وأنا منكسر الخاطر, قفص الاتهام والقيود الحديدية وعساكر السجن والنيابة والقاضي كل هذه المشاهد أصبحت مؤلمة وممقوتة ومكروهة أجبرتني على فراق هشام و«الأيام» وعدن الغالية, وفوق ذلك وصلت إلى قناعة تامة بعد رفض أجهزة الأمن والنيابة والقضاء تسليم المتهمين بقتل وجرح شهداء وجرحى الاعتصامات السلمية وبصفتي محاميا ووكيلا شرعيا لشهداء وجرحى منصة ردفان والهاشمي وقيام الأمن باعتقالي ومحاكمتي والتستر على المتهمين هذه الإجراءات هي رسالة واضحة وبالغة الدلالة أن لامجال لشخصي كمحام الترافع باسم ورثة الشهداء والجرحى وأن تكبيلي بالأغلال وتعذيبي ومحاكمتي وتشريدي من عدن هي ضرائب باهظة أدفعها بقناعة وتمام الرضا فلا يشرفني أن أحمل حقيبة المحاماة وأدخل المحاكم والنيابات التي أهدرت دماء أبناء ردفان والضالع وعدن والجنوب عامة والتي أضاعت حقوق من ائتمنوني على دمائهم وأرواح أبنائهم وأجدد العهد لشهداء وجرحى النضال السلمي بأنني سأتحمل كل المعاناة والتشريد وفاء لهم وللعهد الذي أقسمته لهم.

وأقول للمناضل هشام باشراحيل: قلبي معك ومع عدن و«الأيام» وأرجو قبول اعتذاري عن عدم حضوري محاكمتكم في الدفاع عن الحق الذي نمثله، وعدم حضوري أفراحكم (ومن شاف مايكره يفارق مايحب).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى