مُجير أم عامر

> فضل النقيب:

> كَمَنَ، يكمنُ، كمونا، أي تخفّى وتحفّز للقيام بعمل ما، غالبا مايكون مباغتا وخاطفا ومميتا، والكمون يتوفر على قدر من الغدر، وهو لدى الحيوان بالطبع.

ولدى الإنسان بالتطبع، والحيوان لايلجأ للكمون إلا لسد حاجاته الطبيعية استجلابا لمنفعة أو دفعا لضرر، أما لدى الإنسان الكامن المنحرف المزاج، فقد يصبح الكمون هواية وممارسة سادية شاذة، يستعيض بها عن طرق العيش الشريف ويخلط مابين الكمائن الغادرة التي ينصبها وبين الذكاء والشطارة والقول إنه هو نفسه قد تعرض لكمائن فلماذا لايعرض الآخرين لمثل ماتعرض له. الحية تلبد في جحرها مستمْوِتة كأنها حجر، لكنها تراقب بدقة ساعة ذرية فرائسها وحين تقترب الفريسة الآمنة المطمئنة من خط الخطر الذي تحفظه الحية عن ظهر قلب فإنها تنقض بسرعة البرق، وبضربة واحدة متقنة يكون كل شيء قد تم إنجازه: كان هنا حياة تحولت إلى موات، وكان كائن حي أُُشرب السم فانتقع في دمه قبل أن يتحول إلى غذاء لكائن آخر في دورة الحياة التي لاترحم. الأمور تتماهى في مرايا الواقع الذي يلبس ألف قناع وقناع بدءا بأقنعة الأسماء، فهذا اسمه عبدالرحمن وهو خليل الشيطان، وهذا أمين وهو يسرق الكحل من العين، وذاك فارس وهو لم ير فرسا في حياته ولم يسمع بشيء اسمه الفروسية، وآخر علي وليس له من العلو إلا هذه الأحرف الثلاثة، وخامس باسم وهو متجهم تطق عيناه شررا، وقس على ذلك من الأسماء والمسميات التي تموّه الحياة والأحياء وتلقي بظلالها على المعاني المبتغاة، فالآباء يسمون الأبناء تيمنا، ولكن، ماكل مايتمنى المرء يدركه، ومع ذلك فهناك من الناس من يفون بأسمائهم ومعانيها وصفاتها وقد يفيضون عليها من نورانيتهم وشمائلهم ومكارمهم وهممهم العالية، فتغدو مقصدا للوافدين الجدد إلى الحياة، ونتذكر اسمي جمال وعبدالناصر اللذين شاعا في فترتي الخمسينيات والستينيات.

ذي المعالي فليعلواً من تعالى

هكذا هكذا وإلا فلالا

أنا مثل غيري تعرضت لكمائن مختلفة بعضها كانت خفيفة الظل وبعضها من النوع الغادر الذي لاينسى مع مرور الأيام، وكنت أقول لنفسي «ماضاع من مالك ماعلمك درسا وحسر لك نفسا وأبان لك وحشا»، وعليك دائما أن تضع «مسبّك» تحت رأسك لتنام قرير العين، وقصة ذلك أن اثنين ترافقا في سفر يمتد لأيام سيرا على الأقدام، وكان مطلق المثل يحمل أغراضه في «مسبّ» وهو وعاء من الجلد يخرم من أعلاه بسير ويحمل على الكتفين، وفي الليلة الأولى علق صاحبنا المسبّ على المعلاق الخشبي الذي كان مألوفا في المنازل القديمة ليعلق فيه السيف أو البندقية وما شابه من الأغراض، وقد حاول أن ينام فلم يطمئن قلبه لرفيقه الذي أخذ يتمشى ذهابا وإيابا في الحجيرة التي نزلا فيها، سأله: ما لك لا تنام، فرد بالقول: إن هذا من طبعي أقضي الليل هكذا، رمق الرجل مسبه والخشية تملأ قلبه من أن يكون ضحية لهذا الماكر صاحب الطبع الغريب، قام من مرقده وتناول المسب ووضعه مخدة تحت رأسه، ثم خاطب صاحبه بالقول: مسبّي تحت رأسي ويرعى الله كل من في طبعه. إذاً فقد استأمن لنفسه لأنه إذا فات الفوت مايفيد الصوت، وليس كالأيام والليالي تريك معادن الخلان والأصحاب، مع أنه «رب أخٍ لك لم تلده أمك»، ولكنهم أندر من الذهب الأبيض. أما من تبقى فحاسب ريح، كما يقول أصحابنا، إنهم من تلك الطينة التي عناها أبو الطيب المتنبي بقوله:

ومن عرف الأيام معرفتي بها

وبالناس روّى رمحه غير راحم

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أعجل الأشياء عقوبة البغي»، وقال الله جل وعلا: (ولايحيق المكر السي إلا بأهله). ومما تناقله العرب غدر الضبعة التي أجارها الأعرابي وأخذ يطعمها ويسقيها، فلما اشتد ساعدها غدرت به وهو نائم فبقرب بطنه فقال أخوه:

ومن يعمل المعروف في غير أهله

يلاقي كما لاقى مجير أم عامر

أعد لها لما استجارت ببيته

أحاليب ألبان اللقاح الـدرائر

وأسمنها حتى إذا ماتمكنت

فـرتـه بأنـياب لـها وأظـافـر

فقل لذوي المعروف هذا جزاء من

يجود بمعروف علي غير شاكر

أجارنا الله جميعا من الضباع اللابسة للمآزر المتختمة بالخواتم والمتخفية خلف العمائم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى