مولد الهدى والنور والعدل والسلام

> يحيى عبدالله قحطان:

> قال تعالى: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم).

في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول.. ربيع الخير والبركات، ونسيم الهدى والنفحات تحتفل أمتنا الإسلامية بمشارق الأرض ومغاربها، بذكرى مولد النبي الأكرم والرسول الأعظم سيدنا وحبيبنا ومولانا محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وفي هذه المناسبة العظيمة حري بأمة الإسلام إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف، وذلك بما يليق بمقام رسولنا الكريم وقدره العظيم والذي وصفه الرب عزوجل: (وإنك لعلى خلق عظيم)، وذلك تخليداً وتكريماً وتشريفاً لرسولنا الكريم خاتم الأنبياء والمرسلين والرحمة المهداة للعالمين، والذي ملأ الله به الكون هدى ونوراً وعدلاً وسلاماً.

وإذا كانت أمم العالم تحتفل بقادتها وأمجادها وبأعتى حضارتها ونهضتها والذين لم ولن يبلغوا بأي حال قدر والمقام الرفيع لحضرة سيدنا محمد الصادق الأمين، فجدير بالمسلمين، بل بالبشرية قاطبة أن تحتفل بإنسان الإنسانية وصفوتها منقذها ومحررها من الظلمات إلى النور ومن عبادة الحجر والبشر إلى عبادة الله خالق البشر ومن جور الأديان وظلم الحكام إلى عدل ومساواة الإسلام، وكيف لانوقر ونحتفي بهذا الرسول العظيم، وهو الرحمة المهداة والنعمة المسداة للإنسانية جمعاء؟!، وصدق الله القائل: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا رحمة مهداة وبعثت بالحنيفية السمحاء وبالمجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك» كيف لا نحتفي بمولد الهادي البشير والسراج المنير صاحب المقام المحمود والحوض المورود، وحامل لواء الحمد والشفيع المشفع.. وسيد ولد آدم ولا فخر، وأول من تنشق عنه الأرض.. والذي أقسم الحق بعمره :(لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون)، ورفع الله ذكره في ملكوت السماوات والأرض: (ورفعنا لك ذكرك)، فما ذكر الله تعالى إلا وذكر معه محمد رسول الله؟!.. كيف لا نفرح ونحتفي بذكر المولد النبوي الشريف والله سبحانه وتعالى يحثنا على ذلك بقوله عزوجل: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)، ولقد احتفل بمولده الميمون من في الأرض ومن في السماء، وإذا بالكون يتلألأ بهجة وجمالاً والسماوات تزداد توهجاً وضياء، وإذا بنشيد السلام يعزف لمولد رسول المحبة والسلام، والعدل والأمان والوحدة والوئام ونادى منادٍ في الملأ الأعلى:(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنو صلوا عليه وسلموا تسليما), ذلك أن مولده صلى الله عليه وسلم كان أعظم حدث في تاريخ مسيرة قافلة الأسرة الإنسانية على هذا الكوكب، وكان مصدر بر وخير وبركة وسلام للبشرية جمعاء، وإيذاناً بإطلالة عهد جديد وضاء، وفجر باسم مشرق أشرقت أنواره على الدنيا كلها. بمولد رسولنا الكريم عميت عيون الكهانة والأزلام، وقوضت رموز الطغاة والأصنام وترسخت عقيدة التوحيد والسلام..

وإذا كان رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم هو رسول المحبة والرحمة والسلام، فهو رسول الملحمة والجهاد وقائد الغر المجاهدين لم يتخلف عن أي غزوة قط، بل قال الصحابة: «كنا إذا حمي الوطيس واشتدت الحرب كنا نتقي برسول الله فلم يكن أقرب منا إلى المعركة من رسول الله صلى الله عليه وسلم».

لقد كان يدرك رسولنا الكريم أنه لابد لقهر صولة الباطل والطغيان ودفع العدوان، وقيام دولة العدل والحرية والسلام العادل من الأخذ بأسباب القوة والغلبة والأخذ بخيار الجهاد والمقاومة والمرابطة لدفع العدوان وتحرير الأوطان، وليس بخيار الاستسلام والقعود مع الخوالف الذي يلتزم به الحكام العرب أمام صلف وغطرسة وعدوان الصهاينة الأشرار على أمتنا وأوطاننا ومقدساتنا، قال الله تعالى:(ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض)، وقال سبحانه وتعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)، ويرشدنا عليه الصلاة والسلام «أنه من لم يغز أولم تحدثه نفسه على الغزو مات على شعبة من النفاق». و«أن الله يجزي بالسهم الواحد- وهو سلاح كان يستعمل في الحرب- ثلاثة: صانعه ونابله والرامي به».

إن تعزيز قدراتنا الدفاعية وإعداد القوة التي أمرنا الله تعالى بها ورسولنا الكريم تعتبر في العصر الحاضر قوة الردع التي تفوق أسلحة العدو الصهيوني والتي ترهبه وتردعه من استمرار العدوان علينا واحتلال أراضينا، ذلك أن امتلاك العرب للسلاح لتطور وإيجاد توازن الرعب والردع مع العدو الصهيوني يعتبر ذلك المعادلة الناجعة والتي تجبر العدو بالخنوع والجنوح وتسليم حقوقنا المشروعة وأراضينا المحتلة، وبدون ذلك التوازن تكون عملية التفاوض والسلام مع العدو ومسألة هزلية عبثية ومستحيلة.

ونحن نحتفل هذه الأيام بمولد رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم فإن الواجب على الأمة العربية والإسلامية شعوباً وحكومات الرجوع إلى تعاليم الإسلام وسيرة رسولنا الكريم وأن نأخذ من ذلك دروساً لرسم حاضرنا ومستقبلنا، وأن نعيش الإسلام بروح العصر، وأن نعيش العصر بروح الإسلام، والأخذ بروح الأصالة والمعاصرة ومواكبة معطيات العصر ومستجداته، وبكل جديد دون التفريط بهويتنا وعقيدتنا الإسلامية عقيدة الوسطية والاعتدال، بعيداً عن الجمود الفكري والتعصب القبلي والعرقي والطائفي والحزبي..

أبي الإسلام لا أبا لي سواه

إذا افتخروا بقيس أو تميمي

كما يجب أن نحول تعاليم الإسلام كعقيدة وشريعة إلى منهاج حياة وخاصة ترجمة قيم الإسلام الأخلاقية فيه والعدلية والحقوقية والشوروية إلى واقع معاش، وأن تظل شعلة الجهاد والمقاومة والنضال المقدس جذوة متقدة في وجدان وقلوب حفدة الفاتحين والمرابطين في أكناف بيت المقدس ومن أبناء وأشبال أمتنا العربية والإسلامية الصامدين والرافضين للهيمنة الصهيونية وأشياعهم والذين عجزت السياسة الصهيونية والاستعمارية الغربية أن تصطادهم شباكها الاستسلامية أو تسمم أفكارهم بثقافتها المائعة والانهزامية..

ختاماً فإن خير احتفاء وتكريم لرسولنا الكريم في ذكرى مولده الشريف هو أن نجدد له العهد بأن نسير على نهجه القويم وهدية الكريم، وصراطه المستقيم، وأن نطبق تعاليمه قولاً وفعلاً وسلوكاً وعملا، فهو صلى الله عليه وسلم خير قدوة وأحسن أسوة وأعظم رسول ومصلح ظهر في الوجود..

إننا ونحن نحتفل بالمولد النبوي الشريف فإن واجب أمتنا أن ترتفع إلى مستوى المسؤولية التاريخية، وأن ترتقي في تفكيرها وأعمالها إلى مستوى المخاطر التي تهدد إسلامنا وأوطاننا ومصائر أجيالنا من قبل الصهيونية العالمية وحلفائها وأن يعمل الجميع على تعزيز التضامن العربي والإسلامي.

وإزالة سحب الخلافات الهامشية الثانوية من سمائها وخاصة بين الأنظمة العربية والتي لا تزال غيوم الانقسام والتآمر تهدد أوطاننا ومقدساتنا، هذه الخلافات الملبدة بغيوم الهزائم والنكبات والاعتداءات التي خيمت على شعوبنا بفعل عوامل الضعف والوهن والانقسام واليأس والاستسلام للعدو الصهيوني ومخططاته، والذي يرفض السلام مع العرب وقيام الدول الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشريف وتحكم علينا وعلى أهلنا في غزة بالإبادة الجماعية ومجازر وحشية لم يشهد لها التاريخ مثيل..

ومع كل ذلك تمنح إسرائيل صكوك الغفران وأسلحة الدمار الشامل، والدعم اللامحدود من قبل الاتحاد الأوروبي والإدارة الأمريكية، واعتبار المجازر الوحشية الذي تعرض لها أهلنا في غزة من قبل إسرائيل النازية يعتبر دفاعا مشروعا، كما يقررون فرض الحصار الظالم على غزة، والحظر على الفلسطينيين التزود بالسلاح للدفاع عن أعراضهم ومواطنيهم ومقدساتهم وتحرير أراضيهم المحتلة.

إنهم يرفضون تقديم مجرمي الحرب الصهاينة وإدارة بوش الإرهابية إلى محكمة الجنايات الدولية، لينالوا جزاءهم العادل، ويرفضون إدانة الذين يسيئون إلى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وإلى سيدنا عيسى عليه السلام وأمه البتول الطاهرة.. بينما نراهم اليوم يصدرون قراراً سياسياً ظالما للقبض على أخينا عمر البشير رئيس السودان (ألا ساء ما يحكمون).

وفي هذا الصدد فإننا نؤكد على دعم ونصرة أهلنا في فلسطين بالمال والسلاح وكل الإمكانات ورفع الحصار عن غزة فوراً، والعمل على توحيد وتلاحم فصائل المقاومة الفلسطينية وتعزيز المصالحة الفلسطينية وإيجاد صيغة وطنية توافقيه تلتزم بالثوابت والمقاومة للعدوان الصهيوني حتى نثأر للدم المراق والوطن السليب.. وحتى نستعيد القدس الشريف بمسجدها الأقصى المبارك، وجميع الأراضي الفلسطينية والعربية.. وحتى يدخل المجاهدون الفاتحون بيت القدس مهللين ومكبرين، ونصلى جميعاً في المسجد الأقصى ركعاً وسجداً لله رب العالمين.

وإذا بنداء رسولنا الكريم يرتفع على مآذن الأقصى وقبة الصخرة الفيحاء.. الله أكبر ضربت خيبر ضربت إسرائيل (إنَّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين).

ويومئذ تمرغ كبرياء العسكرية الإسرائيلية في الوحل وسيعلم الصهاينة وأشياعهم أنَّا لمنتصرون.

(إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً)، (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم)، (والله أكبر وهو حسبنا ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير)

وصلى الله على سيدنا محمد في ذكرى مولده الشريف وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى