التربة .. حاضرة الحجرية ومنسية الحاضر.. معاناة لا تنتهي!! (1-2)

> «الأيام» محمد العزعزي

>
هنا كان يسكن الأتراك
هنا كان يسكن الأتراك
التربة حاضرة الشمايتين تبعد عن تعز 75 كم جنوباً، كانت في الأمس القريب مجمع تربوي وعلمي وثقافي وأهم مركز للتسوق في قضاء الحجرية قاطبةً، وتمثل القلب النابض لنواحيها المتعددة.

حيث كانت تضم في حناياها (9) نواحي ويرتادها جميع الناس من مختلف الأماكن، وهي لؤلؤة بيضاء على بساط أخضر تزدان بأبنائها الفقراء الطيبين الذين يكرمون وفادة الضيف ويخدمون الآتون إليها برحابة صدر، ومثلت البساطة والسماحة، وتشكل بها العمل التعاوني الخلاق وانسجام العقد الاجتماعي.

تعدد الأطياف

بالرغم من التركيبة السكانية ذات الأطياف المتعددة إلاّ أنها جسدت الوحدة الوطنية لكل أبناء الوطن، والملاحظ على هؤلاء أنهم كانوا يمثلون أسرة بكل المعاني وقيل إن من يطأ ترابها يعشقها لأول وهلة ويتوحد مع أهلها ويصبح أحد أركانها بباقة متنوعة من التركيبة الاجتماعية.

التربة حاضنة

كانت رقيقة وجذابة ووردة نظرة وندية برغم شدة بردها وحشراتها اللاسعة والمؤذية أحيانا وشظف العيش إلاّ أن عشاقها كثيرون وجاءت المتغيرات لتقضي على بعض التقاليد الطيبة كالإحساس بالآخرين والتعاون بين الناس. وفي هذا الصدد «الأيام» سألت أحد أبنائها المعاصرين فقال : «كان الناس يمثلون طبقة واحدة في المأكل والمشرب والملبس .. هكذا عرفت مدينتنا بأنها الحاضنة والمانحة والعاشقة لكل من سكنها وما عليه إلاّ أن يحبها، فلا بطالة ولا قلق ولا حسد، وكل بيت كانت أشبه بمطعم من دق الباب حصل على مبتغاه مما يأكله رب الدار ».

سد الحلالي تحول الى مكان للنفايات
سد الحلالي تحول الى مكان للنفايات
التأثر بعدن

قال الأستاذ علي يحيى المداني: «مثلت هذه المدينة مركزا ً تجاريا ً وإداريا ً تأتيها البضائع المتنوعة من كل مكان، وتأثرت كثيرا بالمحروسة(بندرعدن) فنقلت (البوابير) والجمال والحمير كل حاجيات السكان منها بحكم القرب والتأثر الحضاري وحبهم لها، ومن عدن كان يأتي كل شيء بحركة دائبة، ولهذا لم يعان أبناؤها البطالة ولعبت دور الوسيط التجاري (ترانسيت) لكل المناطق المجاورة.

وعرفت التربة أنواع الشيكولاتة والحلويات والأشربة والعطور والبخور والملابس والفرش المريحة وأدوات النظافة قبل غيرها منذ زمن طويل، ولم تخل بيت من المذياع الذي كان نادر الوجود .. وما زال الناس يحنون إلى أيام زمان بما فيه من خير وفير وقيم مثلى وأخلاقيات سادت ثم بادت».

البناء

قال المهندس أحمد ناجي: «منازلها متجاورة ومتقاربة وعشوائية، وأخذت النمط القديم في البناء من الحجارة والطين والخشب العدني، وشوارعها ضيقة رصفت بالحجارة, والغريب أن آثارها طمرت فلا تجد معلما أثريا سوى ما تقارب عهده كمبنى المحكمة والمدرسة العليا ومنازل الأتراك، وأهملت السدود وتحولت مدافن الحبوب إلى أماكن تجميع الصرف الصحي، وكان بالإمكان المحافظة على ما خلفه السلف والحرص عليه من قبل مصلحة الواجبات والأوقاف.والمؤسف أن تصبح هذه المنطقة نسيا منسيا تحت براثن الفساد وأنياب الإهمال.. نستغيث بالسلطات الرسمية والمحلية, ورجالاتها المبثوثون في كل مكان أن يعيدوا لها الاعتبار باعتبارها الحضن الدافئ والأم الرؤؤم لكل أبناء الحجرية».

واقع مخيف

مدينة التربة أصبحت هامشية وطاردة للسكان وتمثل البطالة غير المقنعة نسبة كبيرة من السكان، فلا مصانع ولا مزارع ولا معامل ولم تحتو الشباب العاطل، ونخشى أن ينجرف هؤلاء ويصبحون خابورا صدئا في جسد الوطن نتيجة الواقع المخيـف.

شريحة الأخدام

قال رضوان علوان سعيد :«تعامل هذه الشريحة الاجتماعية معاملة خاصة وحسنة تختلف عن بقية المناطق الأخرى وبعيدة كل البعد عن الطبقية التي كانت وما زالت خطا أحمر لدن سكان هذه المدينة البسيطة والفقيرة والمتواضعة، ومنهم من تبوأ مناصب قيادية و ساهم في الثورة وشغل مناصب قيادية عليا في الجيش».

مدرسة محاطة بنفايات
مدرسة محاطة بنفايات
المساجد

قال أنور عبد الله إسماعيل: «بنى مسجد الطيار الشيخ عمر بن محمد المسن في القرن السابع الهجري ما زال قائما وتكاد جدرانه ومئذنته الشهيرة أن تتهاوى. والمسجد الكبير أكبر مساجد التربة بناه القاضي العلامة حسين الحلالي وأعاد ترميمه وتوسعته على نفقة الجمعية الخيرية لهائل سعيد أنعم عام 1998م.

ومسجد الجنداري يقع بالقرب من المجمع الحكومي في حوش أحمد الوزير.وأزيل دار الحكومة الذي بناه عامل قضاء الحجرية حسين الحلالي وتم الإعمار في موقعه مبنى المجمع الحكومي وكان الأجدر إبقائه كونه ملك التراث الإنساني.وما تزال محكمة الحجرية التاريخية قائمة التي بناها الأتراك وتحتاج إلى صيانة وترميم وتحويلها إلى متحف وبجوارها مسجد قديم بحاجة إلى صيانة وبناء مرافق له كونه في وسط السوق».

السدود

قال المواطن نبيل عباس: «توجد مجموعة من السدود الأثرية التي أهملت فتحولت إلى أماكن للنفايات ونشر البعوض في موسم المطر وتحتاج إعادة تأهيل، وأهمها: سد الحلالي وسط المدينة هدم جداره الجنوبي كما يوجد سد سعيد أم باشا في قحفة المخيفن الذي هدمت جدرانه ومصارفه، وسد الجنداري الذي تعرض لإعتداءات في جوانبه، ويقع جوار المستشفى القديم وبركة الملا جوار المحكمة القديمة، كما أن السواقي جفت من المياه وأزيلت معالمها وكانت تأتي مياهها من منطقة شرجب فدفنت آثارها إلى ذلك تعرضت (مدافن الحبوب) الغذائية القديمة إلى عملية دفن والبعض الآخر منها تحولت إلى أماكن للصرف الصحي».

الرموز الاجتماعية

لا حصر لهم لكثرتهم كمشايخ آل النعمان ومنهم أحمد محمد نعمان , وأحمد عبد الرحمن نعمان رحمهما الله وأرباب المالية كاليعاقبة الأتراك ومن الرموز الدينية التي لم تنساهم الذاكرة القاضي العلامة حسين بن أحمد الجنداري والقاضي العلامة السيد يحيى المداني وآل المنصوب سكنة التربة الأصليين ومن رموزهم القاضي عبد المجيد المنصوب ويماثله الشيخ العلامة محمد عبدالله المنصوب وأشهر من تولى القضاء في الحجرية محمد بن علي بن عبد الكريم المجاهد وتلاه القاضي العلامة أحمد بن علي بن عبد الكريم المجاهد والقاضي العلامة محمد بن محمد علي المجاهد الذي تولى القضاء للفترة من 1948 - 1962 ومن الأدباء الشاعر والصحفي محمد يحيى المداني. ومن شعراء التربة المجيدين المرحوم عبده علي ياقوت والذي غنى قصائده الفنان أيوب طارش عبسي ومن القادة العسكريين العميد محمد عبد الله عبد المجيد المنصوب وهو عسكري وأديب وشاعر وعازف وتميز بشعره السلس وتناقلته الألسن وتداول شعره كل الناس، والأستاذ الأزهري أحمد عبد الله سعيد، كما لا ننسى أن الفنان علي بن علي الآنسي المعروف لدى الجميع انطلق من هنا وسكنها عندما كان كاتبا للجيش قبل الثورة، ومع أن رموزها لا حصر لهم ارتأينا أن نضع هذه الباقة كنموذج.

الكويت النواة الأولى لنشر التعليم

بدأ التعليم في الكتاتيب وأهمها كتاب دار النعمان والمدرسة العليا، واستمرت حتى قيام الثورة وأقدم مدرسة الفجر الجديد بنيت على نفقة دولة الكويت عام 1965م ما تزال عاملة (ثانوية - أساسية)وتعمل فترتين صباحا ً ومساء، وفي هذا الصدد قال الأستاذ عبداللطيف سعيد: «عدد المعلمين (58) وبلغ الطلبة فيها (1029) منهم (446) فترة مسائية، وهي بحاجة إلى كهرباء وماء ومواد لتشغيل المعمل وجهاز مكبر صوت للإذاعة المدرسية ووسائل تعليمية وكتب وكمبيوتر ومكتبة ».

مدرسة أنس بن مالك (أساسية بنات)

قال التربوي محمد القباطي: «بنيت في سبعينات القرن الماضي وعدد الطالبات (699) والمعلمين (37)وهي بحاجة إلى مياه الشرب ودورات المياه وإضافة قاعات دراسية وتعرضت المدرسة إلى سرقة في العام المنصرم طال الخزانات وعداد وأنابيب المياه».كما حرمن طالبات الصف الأول من معلمة متخصصة وأسند التعليم لإحدى المتطوعات وتمنى أولياء الأمور إسناد تربية أطفالهم لمعلمة أساسية ذات خبرة في المجال التربوي.

مدرسة النهضة الثانوية للبنات

قالت وكيلة المدرسة: «تأسست عام 1970م هدية دولة الكويت وعدد المعلمين في الفترة الصباحية (35) منهم (12) ذكور و(23) إناث وعدد الطالبات (510) في الثانوية، وعدد الطلبة في الفترة المسائية (328)ذكور وإناث وعدد المعلمات (15) وتم ترميمها على نفقة منظمة ديا الفرنسية وعدد القاعات الدراسية (13) هذه المدرسة باتت متهالكة وتحتاج إلى ترميم وبناء قاعات جديدة ومعامل خياطة ومطابخ تدبير منزلي ومياه ورفدها بكتب مدرسية ومكتبة عامة ودورات مياه وتزويدها بالكمبيوتر ومحاليل وأدوات لتشغيل المعامل».

مسجد ومقبرة الطيار
مسجد ومقبرة الطيار
التعليم في غرفة الإنعاش

مدرسة الوحدة الأساسية (مختلطة) قامت على أنقاض المستشفى القديم التي بنيت قبل الثورة ويتلقى التلاميذ التعليم في غرف ضيفة كغرفة الإنعاش والطوارئ وقامت منظمة ديا بترميمها على نفقتها الخاصة.وقالت مديرة المدرسة صفا المداني :«عدد الطلبة (380) والمعلمين (20) والشُعب (13)»، وتعرض السور للهدم والإهمال ويحتاج لأعمال الصيانة والترميم وهذا المبنى غير صالح كمرفق مدرسي ويترك أثرا سيئا على نفسية المتعلمين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى