دبي: حتى الجرائد تشكو من قلة الإعلانات

> فاروق لقمان:

> خلال أحدث زيارة للإمارات العربية المتحدة لاحظت انخفاض عدد صفحات الجرائد اليومية الإنكليزية والعربية. وأهم اليوميات هي «الخليج» التي تصدر من الشارقة وتوزع في بقية الإمارات وتحوز على قصب السبق في عدد المبيعات ثم تأتي بعدها اليوميات التي تمتلكها الحكومة. أما الإنكليزية .

فهناك الأحدث وهي «ناشينال» الممتازة التي تصدرها الحكومة من أبوظبي ولولا تمويلها السخي لترنحت بقوة خاصة في الظروف الاقتصادية الحالية. كما أن هناك صحفاً إنكليزية بحجم التابلويد وأخرى عربية تتمتع برواج كبير في دبي وتابعة لدائرة الإعلام مع أن ذلك لا ينتقص من جودتها وحرفيتها وأنا أتابعها كل يوم باهتمام وشغف. بالإضافة إلى الجميع بدأت بعض العالميات في الطباعة والتوزيع في الإمارات سيما في دبي منها «التايمز اللندنية» و«هيرالد تربيون» التابعة لمجموعة نيويورك تايمز وول ستريت جورنال، وبلغني أن بعض الجرائد الهندية بالإنكليزية قد تقدمت بطلب الإذن بالطباعة هناك في يوم صدورها بالإضافة إلى مجموعة اليوميات الصادرة باللغة الهندية الجنوبية التي تسمى «مليالم» بسبب العدد الغفير من المقيمين من ولاية كيرالا التي تصدر آلاف الناس إلى الإمارات كل عام حتى بلغ عددهم أربعة ملايين حتى الآن في دول مجلس التعاون، وهي ظاهرة اقتصادية خطيرة لا يمكن تجاهلها أشرت إليها من قبل وإلى احتمالات قد تنعكس على النسيج الاجتماعي مستقبلاً.

فالإمارات العربية وحدها - لا سيما دبي التي تعاني من أزمات اقتصادية خانقة في كل مجال تقريباً تضم مليونا ونصف مليون نسمة منهم.

وإذا أدرك المرء أن الإمارات الأكثر ازدهاراً أي أبوظبي ودبي والشارقة تشكل خطاً واحداً يمكن المرور فيه خلال ساعة ونصف الساعة في غير ساعات الذروة، سيعرف خطورة تكدس هذا العدد المهول من الهنود ومن ولاية واحدة - كيرالا - في حيز ضيق مثل ذلك.

لكن الإمارات كانت بحاجة ماسة إلى هذا العدد خلال سنوات الطفرة التي دامت عشرين حتى نهاية العام الماضي.

فكان الناس يستوردون آلاف الهنود كل شهر لأنهم الأرخص في المنطقة والأكثر مهارة من الكمبيوتر إلى العطور وأعمال البناء ورصف الطرقات وطبعاً التاكسي الذي لا يكاد يستغني عن السائق الهندي ولا يكتفي بما لديه من جحافلة حتى بداية الانكماش الجاري في دبي خاصة التي كانت -وهي بدون نفط- الأكثر ازدهاراً في المنطقة.

وكان من المألوف للزائر أن يرى في مطار دبي قسماً خاصاً تركوه للهنود المستقدمين فقط بعدما ضاق المطار على رحابته بالقادمين إلى الفردوس الأرضي الموعود- كما كان يقول الهنود عن دبي- حتى أن الأمهات كن يدعين لمواليدهن بالسفر إلى دبي فور الانتهاء من الثانوية.

لاحظت في الزيارة الأخيرة أن عدد صفحات الجرائد قد انكمش إلى أقل من النصف فبعدما كانت الواحدة مثل «جلف نيوز» تضم مائة صفحة إعلان ملونة باتت تكتفي بأقل من ربع العدد، وخف وزنها مع تقليص عدد صفحاتها وامتناع الشركات والأفراد عن الإعلان بسبب الركود الاقتصادي خاصة في مجالات البناء والإعمار والبيع والشراء والتأجير والاستئجار بأسعار تبدو حالياً خرافية أي مائتي ألف درهم أو خمسين ألف دولاراً للشقة الواحدة الصغيرة المكونة من حجرتين في العام الذي ينقضي بأسرع مما يتصوره المستأجر حتى تدخلت الحكومة وبدأت في الحث على تخفيض الإيجارات بعدما كادت حركة الاستئجار أن تتوقف وفضل عدد من المقيمين أن يعيد عائلاتهم إلى الهند توفيراً للمال بعدما انكمشت فرص العمل من الفجيرة إلى (أبوظبي).

وكما قلت انعكس ذلك على عدد الصفحات الإعلانية في الصحف الزاهرة الراقية التي كانت ولا تزال من أفضل اليوميات في العالم العربي.

وسيجد أصحابها صعوبة حادة في استعادة نسبة المساحات الإعلانية التي كانت تجعلها من الأكثر ربحية في العالم، حوالي عشرة إلى خمسة عشرة ألف دولاراً للصفحة الكاملة الملونة، لأن توزيع الصحف مثل «الخليج» و«جلف نيوز» يتجاوز أربعين ألف نسخة يومياً رغم صغر حجم البلاد وعدد سكانها. كما أنها حسب تقديراتي ربما الأكثر رواجاً في العالم في مجال الإعلانات المبوبة - الصغيرة جداً - التي تستخدم وسيلة للبحث عن الوظائف والموظفين وبيع وشراء كل ما يخطر بالبال من أثاث مستعمل وسيارات جديدة تقريباً حتى باتت هذه الإعلانات تحتل حسب دراسة أجريتها تملأ مئات الصفحات التابلويد الملونة - نصف حجم الصفحات العادية المعروفة باسم البرودشيت، وتدر أموالاً طائلة على الناشرين لتهافت الملايين سنوياً على الإعلان المبوب للترويج. وطبعاً هناك ملايين سنوياً يعتمدون عليها لشراء أو بيع أي سلعة.

ومن حسن حظ الصحف أو أكثرها أن حكومات الولايات تدعمها مادياً حتى لا تغرق في الأزمة الطاحنة التي تزلزل البلاد في الوقت الحاضر.

ماذا الذي حدث ليهز كيان الاقتصاد الإماراتي الزاهر سابقاً خصوصاً دبي وجاراتها الشارقة وعجمان ورأس الخيمة وأم القوين والفجيرة؟.

وقد استثنيت أبوظبي لأنها تتمتع برخاء لا مثيل له، ثروة نفطية بملايين الدولارات يومياً وفائضاً يذهل المراقب والزائر والسائح مع أن السياحة كانت من أقوى أركان اقتصاد دبي حتى ارتفعت أسعار غرف الفنادق إلى سقوف شامخة أثرت كثيراً على عدد النزلاء كما شاهدت في الزيارة الأخيرة.

الأسباب متعددة وليست كلها من صنع الإمارات، لأنها جزء من الركود والذوبان الدوليين من ألاسكا في شمال الولايات المتحدة إلى قرانا وأسواقنا المتواضعة.

وخلال الطفرة المهولة لمن لم يزر الإمارات في العقد الماضي، حققت دبي نجاحات مذهلة حتى باتت مثلاً جديداً في اللغات العربية والأجنبية للنجاح الخرافي بالسرعة الضوئية لكنها أيضاً أصبحت من أغلى بلاد الدنيا معيشة كما أسلفت، إيجارات، ووظائف، وصناعات وأجور تاكسيات إلى آخر حكايات الاستهلاك والإنفاق اليوميين المعتادين.

وبدأ عدد من المقيمين الهنود فعلاً في إعادة أسرهم إلى قراهم، لأن ذلك أرخص لهم في التعليم والمعيشة والمواصلات بعدما أصبحت الإيجارات محبطة للغاية وقيام الحكومة بمنع المشاركات في السكن أي أنه لا يجوز لأكثر من عائلة - عادة هندية - الاشتراك في بيت واحد حتى ولو بإقامة قواطع بين الأسر حفاظاً على القيم العربية الرفيعة. لذلك فضل البعض إعادة الأسر إلى البلدان الأصلية والاكتفاء بالاشتراك مع رجال آخرين في السكن - أحياناً عشرة في شقة واحدة.

نجحت دبي بصورة شبه خرافية وتضاعف عدد سكانها المقيمين إلى درجة أصبح حتى السير في شوارعها غير ميسور بالسيارة .

ولم يعد بالإمكان قطع الطريق بين الشارقة ودبي إلا بشق الأنفس فيما لا يقل عن ساعة ونصف الساعة. وقد لا تحل المشكلة إلا بعد الانتهاء من بناء شبكة المترو - سكة الحديد - والكباري والأنفاق العديدة التي يجري بها العمل ليلاً ونهاراً بدون توقف.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى