> مهدي بن أبي بكر الحامد:
إذا كانت الذكرى لأي أحد تحمل على محبة ذلك المتذكر وتذكر صفاته وأحواله فكيف إذا كانت الذكرى لمربي الإنسانية وهاديها وأشرف من مشى على وجه البسيطة، إنه محمد صلى الله عليه وآله وسلم سيد الأنبياء والمرسلين.
لاشك أن لهذه الذكرى أثرا عظيما في نفس كل مسلم.. فهذا اليوم، يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول هو اليوم الذي أشرقت فيه شمس الهدى على العالم، بعد أن عاش ردحا من الزمن تحت وطأة الظلم والظلام .. لقد كانت لحظات كلها إعجاز.. تلك التي ولد فيها هذا المولود.. الأمر الذي جعل العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه عم الرسول عليه الصلاة والسلام- وقد أظهر الله دينه وأعز نبيه- يأبى إلا أن يتذكر ليلة مولده الكريمة التي كانت منطلق هذا الخير كله.. فببروزه إلى هذا العالم برزت كل هذه المعاني السامية التي يحملها ديننا الحنيف. نعم لقد جاشت معاني الحب في العباس فحملته على أن ينظم مولدا بديعا في المصطفى عليه الصلاة والسلام.. يتلو ذلك أمام المصطفى كما روى ذلك البيهقي والطبراني وأورده الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية والحافظ الصالحي الشامي في سبل الهدى والرشاد عن خريم بن أوس -رضي الله عنه - قال : هاجرت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند منصرفه من تبوك فسمعت العباس ابن عبدالمطلب يقول : يارسول الله إني أريد أمتدحك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل، لا يفضض الله فاك. (وهنا أخي القارئ قال العباس أبياته البديعة التي تلخص قصة المولد النبوي الشريف) قال العباس رضي الله عنه :
من قبلها طبت في الظلال وفي
مستودع حيث يخصف الورق
ثم هبطت البلاد لا بشر
أنت ولانطفة ولا علق
بل نطفة تركب السفين وقد
ألجم نسرا وأهله الغرق
تنقل من صالب إلى رحم
إذا مضى عالم مضى طبق
وردت نار الخليل مكتتما
في صلبه أنت كيف يحترق
حتى احتوى بيتك المهيمن من
خندف علياء تحتها النطق
وأنت لما ولدت أشرقت الأرض
فأضاء بنورك الأفق
فنحن في ذلك الضياء وفي
النور وسبل الرشاد نخترق
نعم لما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرقت الأرض وضاء بنوره الأفق.. هكذا كانت نظرة الصحابة الكرام، وهكذا كانت مشاعرهم.. إنه ميلاد لم يحصل في تاريخ البشرية ميلاد مثله.. أي ميلاد أخمدت فيه نار فارس! تلك النار التي بقيت ألف عام لم تخمد.. وأي ميلاد شق بسببه إيوان كسرى وسقطت منه 14 شرفة! وغاضت لأجله بحيرة ساوة.. إشارات واضحة إلى أن أي ملك لم يقم أساسا على نهج خالق الكون فإن مصيره إلى الاضطراب والزوال..
وأنى لنار وإن بقيت هذه المدة أن تصمد أمام النور المحمدي الذي به أشرقت الأرض كما يشير العباس..
هذا النور الذي يقول فيه حسان بن ثابت الصحابي الجليل- الذي طالما مدح رسول الله بين يديه وفي غيابه وفي مسجده عليه الصلاة والسلام كما في أحد مراجع السيرة- يقول :
يابكر آمنة المبارك بكرها
ولدته محصنة بسعد الأسعد
نورا أضاء على البرية كلها
من يهد للنور المبارك يهتدي
يارب فاجمعنا معا ونبينا
في جنة تثني عيون الحسد
في جنة الفردوس فاكتبها لنا
يا ذا الجلال وذا العلا والسؤدد
إن هذا النور هو الذي تحدثنا عنه السيدة آمنة بنت وهب أم الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ..حينما تروي لنا ولادتها بالحبيب المصطفى أنها رأت خروج النور معه ملأ المكان، وامتد حتى رأت قصور بصرى بالشام وغيرها كثير من عجائب ليلة الميلاد.
الحاجة الملحة اليوم في الأمة
ما أشد حاجة الأمة اليوم إلى بعث معاني الحب والنصرة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من جديد، ولعل من أعظم فوائد هذه الذكرى العطرة أنها تجمع قلوب الأمة وعلمائها الأفذاذ، لما لجمع الناس على ذكرى مولد وسيرة نبيهم عليه الصلاة والسلام من أثر عظيم في ربطهم به وقوة اتصالهم.. فسارعوا إلى جمع قصة مولده عليه الصلاة والسلام وجمع الناس عليها.. كما فعل الإمام الحافظ أبو الخطاب بن دحية - رحمه الله- حيث ألف مولده الذي سماه (التنوير في مولد البشير النذير) وكان الملك العادل الملك المظفر أبو سعيد كوكوبري بن زين الدين علي بن بكتكين أحد الملوك الأمجاد والكبراء الأجواد يجمع الناس على المولد.. فأقره العلماء على ذلك، وكان يحضره عدد كبير من علماء الأمة وأئمتها.
قال الحافظ عماد الدين بن كثير - رحمه الله- في تاريخه عن هذا الملك العادل: كان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالا هائلا، وكان شهما شجاعا بطلا عاقلا عادلا -رحمه الله - وأكرم مثواه.
(انظر سبل الهدى والرشاد والبداية والنهاية لابن كثير)
وقال الحافظ أبو الخير السخاوي - رحمه الله- في فتاويه عن المولد : لازال أهل الإسلام في سائر الأقطار والمدن الكبار يحتفلون في شهر مولده صلى الله عليه وسلم بعمل الولائم البديعة المشتملة على الأمور البهيجة الرفيعة، ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويظهرون السرور ويزيدون في المبرات، ويعتنون بقراءة مولده الكريم، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم. انتهى
وقال الإمام الحافظ أبو الخير بن الجزري - رحمه الله - شيخ القراء : من خواصه- أي عمل المولد- أنه أمان في ذلك العام، وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام.
وأقوال العلماء والحفاظ كثير في هذا الصدد.. لانطيل بذكرها فلنأخذ الفائدة والعظة من الذكرى .. وليستشعر المدرس في مدرسته والموظف في محل وظيفته والمدير في إدارته وغيرهم من أفراد وجماعات الأمة أن عليهم واجبا نحو هذا الرسول عليه الصلاة والسلام يبلغه كل على قدر ما أعطاه الله.. وبالله التوفيق .
لاشك أن لهذه الذكرى أثرا عظيما في نفس كل مسلم.. فهذا اليوم، يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول هو اليوم الذي أشرقت فيه شمس الهدى على العالم، بعد أن عاش ردحا من الزمن تحت وطأة الظلم والظلام .. لقد كانت لحظات كلها إعجاز.. تلك التي ولد فيها هذا المولود.. الأمر الذي جعل العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه عم الرسول عليه الصلاة والسلام- وقد أظهر الله دينه وأعز نبيه- يأبى إلا أن يتذكر ليلة مولده الكريمة التي كانت منطلق هذا الخير كله.. فببروزه إلى هذا العالم برزت كل هذه المعاني السامية التي يحملها ديننا الحنيف. نعم لقد جاشت معاني الحب في العباس فحملته على أن ينظم مولدا بديعا في المصطفى عليه الصلاة والسلام.. يتلو ذلك أمام المصطفى كما روى ذلك البيهقي والطبراني وأورده الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية والحافظ الصالحي الشامي في سبل الهدى والرشاد عن خريم بن أوس -رضي الله عنه - قال : هاجرت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند منصرفه من تبوك فسمعت العباس ابن عبدالمطلب يقول : يارسول الله إني أريد أمتدحك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل، لا يفضض الله فاك. (وهنا أخي القارئ قال العباس أبياته البديعة التي تلخص قصة المولد النبوي الشريف) قال العباس رضي الله عنه :
من قبلها طبت في الظلال وفي
مستودع حيث يخصف الورق
ثم هبطت البلاد لا بشر
أنت ولانطفة ولا علق
بل نطفة تركب السفين وقد
ألجم نسرا وأهله الغرق
تنقل من صالب إلى رحم
إذا مضى عالم مضى طبق
وردت نار الخليل مكتتما
في صلبه أنت كيف يحترق
حتى احتوى بيتك المهيمن من
خندف علياء تحتها النطق
وأنت لما ولدت أشرقت الأرض
فأضاء بنورك الأفق
فنحن في ذلك الضياء وفي
النور وسبل الرشاد نخترق
نعم لما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرقت الأرض وضاء بنوره الأفق.. هكذا كانت نظرة الصحابة الكرام، وهكذا كانت مشاعرهم.. إنه ميلاد لم يحصل في تاريخ البشرية ميلاد مثله.. أي ميلاد أخمدت فيه نار فارس! تلك النار التي بقيت ألف عام لم تخمد.. وأي ميلاد شق بسببه إيوان كسرى وسقطت منه 14 شرفة! وغاضت لأجله بحيرة ساوة.. إشارات واضحة إلى أن أي ملك لم يقم أساسا على نهج خالق الكون فإن مصيره إلى الاضطراب والزوال..
وأنى لنار وإن بقيت هذه المدة أن تصمد أمام النور المحمدي الذي به أشرقت الأرض كما يشير العباس..
هذا النور الذي يقول فيه حسان بن ثابت الصحابي الجليل- الذي طالما مدح رسول الله بين يديه وفي غيابه وفي مسجده عليه الصلاة والسلام كما في أحد مراجع السيرة- يقول :
يابكر آمنة المبارك بكرها
ولدته محصنة بسعد الأسعد
نورا أضاء على البرية كلها
من يهد للنور المبارك يهتدي
يارب فاجمعنا معا ونبينا
في جنة تثني عيون الحسد
في جنة الفردوس فاكتبها لنا
يا ذا الجلال وذا العلا والسؤدد
إن هذا النور هو الذي تحدثنا عنه السيدة آمنة بنت وهب أم الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ..حينما تروي لنا ولادتها بالحبيب المصطفى أنها رأت خروج النور معه ملأ المكان، وامتد حتى رأت قصور بصرى بالشام وغيرها كثير من عجائب ليلة الميلاد.
الحاجة الملحة اليوم في الأمة
ما أشد حاجة الأمة اليوم إلى بعث معاني الحب والنصرة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من جديد، ولعل من أعظم فوائد هذه الذكرى العطرة أنها تجمع قلوب الأمة وعلمائها الأفذاذ، لما لجمع الناس على ذكرى مولد وسيرة نبيهم عليه الصلاة والسلام من أثر عظيم في ربطهم به وقوة اتصالهم.. فسارعوا إلى جمع قصة مولده عليه الصلاة والسلام وجمع الناس عليها.. كما فعل الإمام الحافظ أبو الخطاب بن دحية - رحمه الله- حيث ألف مولده الذي سماه (التنوير في مولد البشير النذير) وكان الملك العادل الملك المظفر أبو سعيد كوكوبري بن زين الدين علي بن بكتكين أحد الملوك الأمجاد والكبراء الأجواد يجمع الناس على المولد.. فأقره العلماء على ذلك، وكان يحضره عدد كبير من علماء الأمة وأئمتها.
قال الحافظ عماد الدين بن كثير - رحمه الله- في تاريخه عن هذا الملك العادل: كان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالا هائلا، وكان شهما شجاعا بطلا عاقلا عادلا -رحمه الله - وأكرم مثواه.
(انظر سبل الهدى والرشاد والبداية والنهاية لابن كثير)
وقال الحافظ أبو الخير السخاوي - رحمه الله- في فتاويه عن المولد : لازال أهل الإسلام في سائر الأقطار والمدن الكبار يحتفلون في شهر مولده صلى الله عليه وسلم بعمل الولائم البديعة المشتملة على الأمور البهيجة الرفيعة، ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويظهرون السرور ويزيدون في المبرات، ويعتنون بقراءة مولده الكريم، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم. انتهى
وقال الإمام الحافظ أبو الخير بن الجزري - رحمه الله - شيخ القراء : من خواصه- أي عمل المولد- أنه أمان في ذلك العام، وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام.
وأقوال العلماء والحفاظ كثير في هذا الصدد.. لانطيل بذكرها فلنأخذ الفائدة والعظة من الذكرى .. وليستشعر المدرس في مدرسته والموظف في محل وظيفته والمدير في إدارته وغيرهم من أفراد وجماعات الأمة أن عليهم واجبا نحو هذا الرسول عليه الصلاة والسلام يبلغه كل على قدر ما أعطاه الله.. وبالله التوفيق .