عندما تجف آبار النفط

> عبدالقوي الأشول:

> يرى الكثير من المحللين أن الحظ وحده، وليست التدابير الاقتصادية، هو الذي جعل اليمن، مع مايعاني من أزمات ومشكلات حادة، لاينزلق إلى درجة الانهيار.

إلا أن هذا الحظ الأعمى وفق التوقعات الراهنة لايمكن أن يستمر، فحين تجف آبار النفط سيجف هذا الحظ أيضاً.

فمؤشرات النفط تحديداً تلقي بظلالها على واقع الإنسان اليمني وتبهظ حسابات السلطة الخاطئة.. واقع لم يلمس فيه الإنسان خيرات وعائدات نفطه الذي تشير المعطيات إلى انتهائه، حال لايقتصر على النفط وحده وعائداته المتبخرة في سديم الفساد الماجن، فاليمن التي لاتمتلك رؤية مستقبلية لاقتصادها ولم تضع في الحسبان استعدادتها لما بعد النفط ليست في حال أفضل على مختلف الصعد الحياتية .. بداية بأزمة واقعها السياسي وما تعاني من نضوب الموارد وتدني العائدات والفشل على الصعيد التنموي، وأمام ماتواجه من تبعات الانفجار السكاني لاتبدو مصيبة فيما تعده أيضاً انتصاراً لخيار الوحدة بقمع التعبيرات السلمية في المحافظات الجنوبية أرض الثروة المنهوبة، إلا إذا كانت الوحدة بمعزل عن مسارات التطور والتنمية والعدل والحقوق.. وهو حال يصعب تسويقه بمنطق العقل.

فأزمة الواقع الذي تعلن ساحة الجنوب رفض تكريسه أمراً واقعاً منطقية بمعايير المعطيات التي تكشفت في سلوكيات النهب والتبذير وكل السلوكيات التي لايمكن إلا أن تعبر عن جهل فاضح بحقيقة وسلوكيات الحفاظ على الوحدة .. وهناك قول مأثور بما معناه «لكي تكون حريصاً على الوطن حافظ على ثرواته وتراثه».

إلا أن ماتكشف خلال عقدين من الوحدة يبدو مرعباً، لذلك يبدو الصوت الجنوبي في واقع الأزمة الراهنة حجر الزاوية لأي حلول وأي إرادة سياسية تريد خروج الوضع من هذا المأزق الحرج، فالنظرة الخاطئة للواقع والقراءة المتجاوزة معطيات الراهن قد لايتم تجاوزها بالحظ كما ألِفنا، وعدم الاعتراف بالقضية الجنوبية يعد تكريساً لنهج النهب الذي أتى على مكونات كثيرة.. سلوكيات فجة لم تعط لأصحاب الأرض والثروة خياراً غير التعبير السلمي المتنامي بضرورة وضع حد لما يجري تحت مسمى الحفاظ على الوحدة.

فحين خرج أهالي الجنوب قبل عام 1990م يرددون أهازيج الفرح بقدوم حقبة النفط في عدن وحضرموت وشبوة وغيرها: «ياحضرموت افرحي بترولنا بايجي» وجدوا أنفسهم بعد عقدين من المعاناة المريرة يودعون حقبة النفط التي لم يصلهم خيرها، لا بل لم يصل إلى سكان المناطق المجاورة لحقوله في حضرموت وشبوة.

وهكذا أيضا عاشوا فترة ظلم وطغيان غير مسبوق في تاريخهم حين امتد النهب إلى عقارات أراضيهم وخيراتها من دون أن يكون لأصحاب الحق ولو نصيب من ذلك.

واقع لايمكن معه إخفاء ما لأزمة الوحدة من سلوكيات فجة وتجاوزات عميقة لايمكن في ظلها أن يشار إلى منجز الوحدة بالنزاهة والحكمة بمعزل عن سياق الحياة بصفة عامة .. فإذا كانت حكمة هؤلاء قد استغرقت كل هذه السنين عند نهب غير مسبوق للثروة والعقار وكل ما وقعت عليه أيديهم غير آبهين بما حولهم من أنين الموجوعين.. ممن قتلت أحلام تطلعاتهم سلوكيات المفسدين الفجة والصارخة.

فبعد عقدين من الزمن تبدو خزائن الجنوب والوطن بصفة عامة منهكة كما هي آبار النفط ومناجم التعدين آزفة.. قدرات وإمكانيات ضخمة لو أنها وضعت لصالح الإنسان ما كانت خيبة الأمل التي نعيشها.

وبعد كل ماجرى ويجري لايمكن إلا أن تكون قضية الجنوب عادلة، فهي صوت الحق.. صوت من فقدوا كل شيء: الوظيفة.. الثروة..الحياة الآمنة.

والخشية مع مشهد التداعيات الراهنة أن يفقد الوحدويون حماسهم بمجرد أن تجف آبار النفط التي تراجع منتوجها المعلن عنه إلى النصف، وبمجرد أن يستنفدوا رحلة فيد غير مسبوقة في تاريخ هذه الأرض أتت على عقار الأرض وكل ثرواتها.

إن من قدموا كل هذه الخيرات والثروات عن طيب خاطر لايمكن أن يقبلوا العيش في مجتمع الأسياد والعبيد الذي يتشكل، ومعطيات التاريخ تشير إلى حالة الرفض المستمرة لكل أصناف الظلم والطغيان .. فهل طغيان وجبروت الشقيق يعد عدلا من وجهة نظر من استمرؤوا طغيانهم خلال العقدين الماضيين؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى