«الأيام» تستطلع أوضاع مشروع المياه الأهلي بسرار - يافع .. الجفاف ينحر سرار طولا وعرضا ومشروع المياه وخارج نطاق الخدمة بسبب تعرض ممتلكاته للنهب والسرقة

> «الأيام» حاتم عوض العمري:

>
أطلال مشروع المياه القديم
أطلال مشروع المياه القديم
سرار إحدى المديريات النائية بمحافظة أبين يعيش سكانها ظروف حياتية صعبة وقاسية لفقدانهم مياه الشرب النقية ونظراً لذلك تداعى الأهالي فيما بينهم للتعاون لمواجهة صعوبات الحياة وتعقيداتها وقاموا بالمساهمة والمبادرة في تشييد مشروع للمياه في بداية السبعينات من القرن الماضي، ونتيجة للحالة المزرية التي وصل إليها مشروع المياه الذي يغذي أهالي المديرية بمياه الشرب صحيفة «الأيام» نزلت بكاميرتها إلى مكان المشروع وسلطت أضواءها القوية على أوضاعه المزرية وخرجت بالحصيلة الآتية:

يعد مشروع مياه سرار واحداً من أقدم مشاريع سرار يافع محافظة أبين، حيث يعود تأسيسه إلى بداية السبعينات من القرن الماضي وتحديداً في العام 1973م وهو مشروع أهلي شيدته سواعد أبناء المديرية بالمبادرات الجماهيرية، لدرجة أن النساء شاركن في العمل إلى جانب الرجال أثناء تشييد المشروع، وعلى الرغم من إمكانياته البسيطة وصغر حجم مكوناته وقلة اعتمادات هذا المشروع في بداية تأسيسه إلا أنه كان من أنجح المشاريع بالمديرية، حيث امتدت خدماته لأكثر من 15 قرية في عاصمة المديرية سرار وضواحيها ويشرب منه أكثر من عشرة ألف مواطن باعتباره المشروع الوحيد في المديرية الذي يمدهم بمياه الشرب، واستمر هذا المشروع في تموين الأهالي بالمياه بوتيرة عالية حتى نهاية التسعينات، ثم بدأ بالتراجع وتعثر خدماته بين الحين والآخر إيذانا بدخول مرحلة حرجة، وقد مر المشروع بأزمة خانقة كادت تقتله من جذوره، عندما تعرضت معظم خطوط الشبكة ومضخاته لجرف السيول في أغسطس من العام 1998م قبل أن يتداركه المواطنون ويعيدوا هيكله حين انتقل من السيء إلى الأسوأ.

مشروع المياه خارج نطاق الخدمة

توقف المشروع نهائيا عن تقديم خدماته للأهالي منذ سنوات بعد أن وصل إلى حال يصعب معه الترقيع والإصلاح بسبب كثرة الأعطاب في المضخات وتهالك خطوط الشبكة فهي قديمة وقد أكلها الصدأ ولم يتم تغييرها منذ تأسيس المشروع، وكذا هنالك إمكانياته المادية والتي لا تغطي النفقات التشغيلية وغياب دور الدولة في تقديم المساعدة لهذا المشروع في التوسع أو التجديد، بالإضافة إلى افتقاره إلى الإدارة الكفوءة له تتولى متابعة الجهات المعنية لإصلاح وإعادة تأهيله، بعد أن تعاقب على إدارته مديران ثم استقالا وسلم الجميع بانهيار المشروع رغم محاولات إعادة إصلاحه أكثر من مرة مما عرضه للضياع والخراب والإهمال.

رتل من السيارات في انتظار دورها لتعبئة الماء من البئر الوحيدة
رتل من السيارات في انتظار دورها لتعبئة الماء من البئر الوحيدة
أيادي الفساد نهبت ممتلكاته

والحديث عن مشروع مياه سرار الأهلي يحتاج إلى تحقيق مفصل ولا يمكن الإحاطة به من خلال جرة قلم بعد أن نخره داء الفساد والتسيب ولم يبق سوى نعيه رسمياً، بسبب نهب جزء من ممتلكاته وإهمال ما تبقى منه، فقد تعرض المشروع خلال السنوات الماضية لسرقات وسطو همجي وتخريب في وضح النهار من قبل جهات مسؤولة، قامت بنهب جزء من ممتلكاته وأصوله من أنابيب ومضخات وويتات (بوز) وقطع الغيار وباعوها لمنافعهم الشخصية دون النظر إلى المصلحة العامة، كما قامت تلك الجهات بالتصرف في كميات كبيرة من الأنابيب التابعة للمشروع بمختلف أنواعها وأحجامها والتي كانت مرمية في العراء وصرفها لبعض الأشخاص واستخدامها لأغراض شخصية، كما تم صرف كميات من هذه الأنابيب بطريقة رسمية لبعض المناطق في المديرية وتم نصبها كأعمدة للكهرباء بالإضافة إلى قيام تلك الجهات بصرف مضخة قوة (33 خيل) بطريقة غير قانونية لأحد المقاولين في المديرية كتعويض للمقاول في خسارة مشروع نفذه المقاول في المديرية، كما أن اللجان الأهلية التي شكلت لإعادة تأهيل المشروع وتعاقبت على إدارته خلال السنوات الأخيرة كان لها نصيب الأسد ولعب أدوار خفية إلى جانب تلك الجهات المسؤولة في تخريب وإنهاء هذا المشروع الحيوي والهام وإهدار أصوله، وحرمان الآلاف من أبناء المديرية من شربة ماء منه.

مجرد تساؤل

في هذه الحالة المؤسفة والمزرية التي وصل إليها حال مشروع مياه سرار بسبب أيادي الفساد والكسب غير المشروع ممن فقدوا الإحساس بالمسؤولية والذين نهبوا أصوله وممتلكاته، هناك سلبية وصمت مطبق من قبل الأهالي، فالكل ساكت وكأن قضية نهب ممتلكات المشروع لاتهمهم ولا تعنيهم؟ وأتساءل هنا لماذا تهاون الأهالي في ما حدث من تلاعب في مشروع المياه؟، لماذا هذا الإهمال والتغاضي عن إصلاح أوضاع مشروع مياه سرار الذي كان بالأمس أنموذجاً وأصبح اليوم أثراً بعد عين؟

غرفة المضخة رقم 2 لم تسلم نوافذها من النهب
غرفة المضخة رقم 2 لم تسلم نوافذها من النهب
الآبار العشوائية استنزفت المخزون الجوفي للمياه

كما رصدت «الأيام» في هذا الاستطلاع مشكلة الاستنزاف الكبير والجائر للمياه الجوفية في منطقة امهدارة بين الواديين من قبل مجموعة من الأشخاص واستخدامها في ري مزارع القات، حيث تعرضت المياه الجوفية في حقل امهدارة بين الواديين والتي ظلت لسنوات طويلة تلبي احتياجات الأهالي وتتوافر بنسبة كبيرة جداً للاستنزاف الجائر بصورة مستمرة ويومية مما أدى إلى استنزافها نهائياً، ويعود ذلك إلى ظاهرة الحفر الشعوائي للآبار والتي شاعت بشكل فظيع في هذه المنطقة من قبل هؤلاء الأشخاص الذين يقومون بالاستيلاء على المياه وبيعها بأسعار مرتفعة جداً على أصحاب (البوز) لسقي حقول القات وتسببوا في استنزاف المخزون الجوفي للمياه في هذه المنطقة ولم يتبق إلا كميات ضئيلة جداً من المياه في بعض تلك الآبار التي تم حفرها عشوئيا.

أسعار المياه نار في نار

تعاني مديرية سرار من أزمة مياه خانقة، والحصول على مياه للشرب فيها أمر في غاية الصعوبة جراء حالة الجفاف التي ضربت المديرية بصورة لم يسبق لها مثل وتفاقمت اليوم بصورة أكبر وأسوأ مما كانت عليه في السابق، بل ووصلت إلى مستوى الكارثة الطبيعية وأثرت بشدة على حياة المواطنين المعيشية وتصحر الأراضي الزراعية وتعتبر مديرية سرار منكوبة بالجفاف نظراً لما تخلفه من آثار أدت إلى نزوح مستمر لأعداد كبيرة من الأسر بحثاً عن الماء، وما تبقى منهم صار رحيلهم حتمياً بعد أن ألجمهم العطش مثل نضوب تام لعشرات الآبار في المديرية ومنابع المياه وأدت هذه الحالة لأن تصل أسعار المياه إلى أعلى معدلاتها، بل ودخلت موسوعة جينيس للأرقام القياسية، حيث بلغ سعر صهريج الماء (البوزة) سعة 2700 جالون إلى 20000 ريال، ومن لا يوافقنا في وصول حالة الجفاف إلى مستوى الكارثة الطبيعية من المسؤولين أو منظمات إنسانية أو الإغاثة عليه النزول إلى المديرية والتأكد من ذلك بأم عينيه، وله أن يحكم.

لم تبق إلا بئر واحدة

وأمام تفاقم أزمة المياه وشحتها كان لابد لكاميرا «الأيام» من التقاط صورة للزحام حول بئر لأحد المواطنين في المديرية وهي البئر الوحيدة التي لم تنضب مياهها، بعد أن نضبت جميع الآبار في المديرية وألمت بهم فاجعة العطش، فهذه البئر أصبحت المصدر الوحيد الذي يعتمد عليها الأهالي من مياه الشرب فوق البئر يقف طابور من صهاريج الماء البوزة والسيارات الصغيرة وعلى متنها خزانات ودبب الماء في انتظار دورها لتعبئة الماء، وقد يحتاج السائق من أجل تعبئة ونقل حمولة واحدة خصوصاً أصحاب (البوزة) إلى الوقوف في طابور ليومين متتالين للوصول إلى دوره..

وقد سألنا صاحب حسين ناجي، عن أسعار الماء فقال: «سعر الماء يختلف من صهريج لآخر نأخذ 5000 ريال على صهريج (البوزة) و500 ريال على خزانات السيارة (الصغيرة) أما النساء ومن يجلبون الماء على ظهور الحمير فنعطيهم الماء مجاناً، كميات كبيرة من الماء يتم استهلاكها من هذه البئر واستنزاف بشكل مستمر ومتواصل حتى بدأ إنتاجها يتراجع بصورة مخيفة ومتسارعة وقد يكون مصيرها كبقية الآبار التي نضبت مياهها».

الاستنزاف الجائر للمياه من الآبار العشوائية
الاستنزاف الجائر للمياه من الآبار العشوائية
نداء إلى منظمات العطشان

الجفاف ينحر المديرية طولاً وعرضاً.. والمواطن يتصارع كل يوم مائة مرة يشرب الألم مع كأس الماء والذي لا يتم الحصول عليه إلا بعد شق الأنفس وأمام هذه الفاجعة يستنجد الأهالي بمحافظ أبين من خلال توجيه الحكومة والوزارات المعنية ومنظمات الإغاثة لمعالجة هذه الوضعية المتفاقمة لتقديم ما يمكن تقديمه من حلول إسعافية عاجلة متمثلة بسيارات نقل المياه والخزانات البالونية والخيام، مع ضرورة إعداد الدراسات والتصورات لحلول مستقبلية ومنها بناء السدود والحواجز المائية، لكي تضمن استقرار حياة المواطنين.

قفشات من الاستطلاع

من خلال البحث في حيثيات قضية نهب مشروع مياه سرار اتضح للعيان أن قضية نهب ممتلكات المشروع وبيعها قضية رأي عام ملابساتها كثيرة وغامضة.. فهل ياترى تقوم الجهات المعنية في المديرية بإلغاء القبض على المخربين ومحاسبتهم وفتح تحقيق مع المتواطئين؟ وهل يتم إعادة ممتلكات المشروع التي تم نهبها وبيعها؟ وهل سيجد أبناء المديرية آذاناً صاغية وضمائر حية للنهوض بأوضاع المشروع وإعادة تشغيله؟.. أسئلة نضعها أمام جهات الاختصاص وأهل الشأن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى