الجفاف وشحة المياه يقودان مديرية فرع العدين للاحتضار

> «الأيام» مطيع عبدالعزيز :

>
منظر عام تبدو فيه المناطق أكثر جفافا
منظر عام تبدو فيه المناطق أكثر جفافا
المياه أساس الحياة ولاغنى لنا عنها في حياتنا اليومية، وبدونها تتعطل سير حركة الزمن أو حتى تتحول الحياة الطبيعية إلى فصول من العذاب والجحيم عند تحصيله ويتعكر كل شيء ليس لأن أبناء فرع العدين يخرجون من منازلهم متجندين للحصول على قطرات الماء فقط.

ولكن لأنهم يقطعون الفيافي والقفار ليل نهار ويحولون الطرق إلى خلايا من البشر بحثاً عن المياه الجوفية ويحملون على ظهورهم دبب المياه ويحملون في قلوبهم خيبة أمل في مسؤوليهم خصوصاً وهم لا يعرفون منهم سوى الوعود الزائفة وأحلام لم تر النور بعد.

ومهما تعددت المعاناة فإن للمعاناة في مديرية فرع العدين لون آخر، امتزج فيه العذاب باليأس، وقد يتساءل القارئ كيف ذلك؟! والفرع تنعم بغزارة الأمطار طوال فصل الصيف وتتحول الطبيعة إلى جنة من جنات الدنيا؟! والسبب هو عدم استغلال تلك الأمطار بتشييد السدود وبناء الحواجز المائية، فإليكم أعزائي القراء المعاناة في هذه السطور.

بُعد المسافة في إيصال المياه بالثلث تحول دون إنجاز المهام الأخرى

منطقة بني أحمد الثلث هي إحدى المناطق المتأثرة بفيروس هذه المعاناة وعنها تحدث المواطن مهيوب محمد علي، بالقول: «شحة المياه في عزلة بني أحمد أتعبت الأهالي وخلقت الهموم والعراقيل.. الأولاد والنساء يقطعون حوالي سبعة كيلو مترات حتى يصلون إلى الآبار وهذه المعاناة لا تقتصر على قرية أو عزلة فقط وإنما غطت رقعة المديرية كاملة، والعطش قد اكتسح جميع المواطنين وأصبحت هذه المشكلة حجر عثرة أمام سيرنا لأننا انشغلنا بتوفير المياه وتركنا إنجاز الكثير من أعمالنا في الوقت الذي نعاني فيه من ضيق الحال والفقر»،

ابتسامة المعاناة لعدسة «الأيام»
ابتسامة المعاناة لعدسة «الأيام»
وأضاف: «لا نستطيع أن نتحمل المزيد ونحن نتعذب تحت وطأة الإهمال.. عقود مضت وجراحاتنا تنزف وتتوسع ومصيرنا ما يزال مجهولا، ولا نعلم ماذا سيحمل لنا المستقبل؟، ولهذا فقد ضاق بنا الحال وسئمنا من مكابدة العيش بعد مقاومة شرسة لتقلبات ومتغيرات الحياة الصعبة».

واستطرد قائلاً: «إنها صورة واقعية للمعاناة.. عندنا من يمتلك حمارا وكأن العالم كله بين يديه، لأن الحمار رمز لتحمل الأعباء والمتاعب، وله فضل كبير في نقل المياه عبر هذه الهضاب، وتزداد أهمية الحمار هذه الأيام أكثر بكثير من الأيام الأخرى خصوصاً بعد انقطاع المواصلات بسبب وعورة الطريق».

واختتم حديثه بالقول: «أشكر صحيفة «الأيام» على نزولها إلينا لنقل معاناتنا للسلطة المحلية وإلى كل مسؤول وإلى كل قارئ، وهذا إن دل فإنما يدل على حرصها الدائم لنقل معاناة الناس في ربوع اليمن».

غياب المسؤولية يضاعف جراحات أبناء الفرع

وخلال الاستطلاع حاولت «الأيام» أن تتجول في معظم العزل والمناطق لكي نحصل على صورة مكتملة المعالم فاستوقفتنا هذه المحطة بعزلة الوزير وبالتحديد في منطقة المستوصف، فالتقينا بالشيخ علي عبدالله غالب (حيدرة) واستأذناه بأن يروي لنا معاناة أهالي العزلة في شحة المياه، فقال «هاهي الصورة أمامكم تعبر عن نفسها ولست مبالغاً إن قلت هذه المشكلة تشكل لنا كابوسا مزعجا، لأنها جداً متعبة ولا نستطيع أن نتخذ البدائل للتخفيف من شدتها والسبب المسؤولون بشكل عام، لأنهم وحوش ناهشة لأجسادنا وثعالب غادرة ولا نعرف منهم غير مشاريع كلامية لا تتعدى الشخط على الورق، وعند ما نستغيث بهم بما نحن فيه من العذاب والآلام يمنحونا مشاريع وهمية وكأنهم يقبلون واقع مآسينا».

واستطرد: «طالبنا بحواجز مائية وسدود لنستغل مياه أمطار الصيف ولكي نخرج من هذا الوضع، لكن لاحياة لمن تنادي!، فلا سلطة تحرك مشاعر المسؤولية تجاه المواطن، لا مسؤول يعمل بضمير الأمانة ولا نعلم أين سيهربون من عقاب الله في الأمانة الملتوية على أعناقهم فينا»، وأضاف: «لا نريد منهم المزيد من استعراض البيانات والخطابات والوعود والأكاذيب، بل نريد منهم أن نلامس واقعا يضيء بالإنجاز، أما أن ينعموا بالفلوس والنعيم ونحن نعاني ويلات العذاب فهذا لا يقبله أي واحد من أبناء مديرية الفرع، ولا نريد أن يعاملونا بالكذب والخداع».

طريق للحمير في اتجاهين لنقل المياه
طريق للحمير في اتجاهين لنقل المياه
واختتم: «نريد من مسؤولينا مراجعة حساباتهم فينا وأن يدركوا حجم الفضائح التي يضعونها فإننا نموت عطشاً وتزهق أرواحنا وهم المسؤولون علينا يوم العرض على جبار السموات والأرض، فنحن قد سئمنا المناشدة منذ الأزل ونقدم استغاثاتنا ومناشداتنا عبر صحيفة «الأيام» الغراء وندعو رجال الأعمال وفاعلي الخير بعد أن تقطعت بنا السبل».

مشكلة المياه تولد المشاكل والصعوبات لدى طلاب المدارس

حتى الطلاب والأطفال تشكل شحة المياه مشاكل متعددة، لأن مهام إيصال دبب المياه توكل إليهم فيذوقون مرارة العذاب ويعيشون أيام مأساوية، «الأيام» حاولت أن تقترب من هذه الشريحة وتتلمس أوضاعهم، وعلى لسان الطالب ياسين دبوان مفرح، من أهالي عزلة المسيل مديرية الفرع أخذنا منه معاناة الطلاب فقال لنا: «تشكل لنا شحة المياه كابوساً مزعجاً هذه الأيام ولا نستطيع أن نؤدي واجباتنا المدرسية بالشكل المطلوب، فنحن نقوم بعد صلاة الفجر ونذهب نأتي بالمياه ونعود لنأخذ الطعام على عجل ثم نذهب إلى المدرسة حاملين أيضا دبب المياه ونعود بها بعد انتهاء اليوم الدراسي خصوصا وأن مكان استخراج المياه بالقرب من المدرسة، وهذا كله لا يكفي لتوفير احتياجات اليوم من الماء، بل نذهب بعد العصر وننهي مهامنا في المساء وهذا أعاقنا من تأدية واجباتنا الدراسية ومراجعة دروسنا بالشكل المناسب، ونحن لانجد الوقت الكافي بعدما أخذت منا هذه المهمة معظم أوقاتنا». واختتم: «أناشد المسؤولين ببناء خزان وسدود وأن يعملوا لنا حل لكل ما نواجهه من مشاكل يومية هم أكثر إدراكاً بها ولا نريد كما حدث في أكثر من مرة.. اكتفوا فقط بالوعود والكتابة على الأحجار أوهمونا بأنها مشاريع مياه قادمة لكنها لم تلامس الواقع المعاش».

بسرعة

صادق علي الراجحي من أهالي عزلة الأهمول بمديرية الفرع، قال: «قتلتنا هذه المعاناة ولا نستطيع أن نأتي بالبدائل والحلول لها منذ سنوات وفي هذا العام زادت الآلام عندما ظهر الجفاف بالمديرية بشكل غير معهود من قبل والأمور واضحة ولا تحتاج إلى مزيد من التفاصيل».

أما المواطن طاهر حمود دماج من أهالي منطقة العرعرة فأوضح بالقول: «وكأننا خارج نطاق هذا الوطن ولسنا محسوبين على السلطة مديرية لها أبسط الاهتمامات والرعاية، فمديرتنا بشكل عام لم تلاق أبسط ما يجب توفيره من خدمات، ولا أعتقد أن يتم تجاهلنا إلى هذه الدرجة.. وأشكر صحيفة «الأيام» على نقل معاناتنا بمختلف أنواعها وهي الصحيفة الوحيدة في اليمن التي تتبنى نقل معاناتنا بكل واقعية فلها منا كل الشكر والاحترام».

مجموعة كبيرة من دبب المياه في انتظار طلاب المدارس
مجموعة كبيرة من دبب المياه في انتظار طلاب المدارس
الحاج قائد منصور الحداد من منطقة السهلة بمديرية فرع العدين تحدث عن أهمية الحمار بالقول: «عشنا منذ عقود من الزمن في ظل خدمات الحمار في إيصال الماء ولم يحدث أي تطور منذ ذلك الحين إلى الآن، على الرغم من تعاقب المسؤولين.. اليوم لدي حمار يعيش على خدماته أولادي جميعاً فهو طوال اليوم مشغول بنقل الماء وهذه المعاناة ورثناها أباً عن جد و أنا أورث أبنائي إياها وهوشيء لم يكن في الحسبان».

خاتمة

مفارقة غريبة لهذه المعاناة بمديرية فرع العدين في هذا الجانب، فالبون شاسع بين فصلي الصيف والشتاء، ففي الصيف يرتوي كل شيء وتطفح المدرجات بالمياه وفي الشتاء تتحول الأوضاع إلى جحيم وعذاب دائم يؤرق حياة أفراد المديرية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى