الصبيحة: التاريخ والإنسان والشهداء

> علي هيثم الغريب;

> في هذه الأيام ونحن نقلب بورع واعتزاز صفحات الحياة المعطاء الصافية لمنطقة الصبيحة الفقيرة بمواردها الغنية بأرضها ورجالها.

المنطقة العملاقة التي قدمت أبرز المناضلين ضد الاستعمار البريطاني الذين عرفهم التاريخ العربي والعالمي (قحطان الشعبي، فيصل عبداللطيف، أحمد محمد الدقم وآخرين) والحارس الأمين لبوابة باب المندب، تشعرنا هذه المنطقة اليوم أن الصوملي وحافظ وعمر لم يفارقوا هذه الحياة استشهاداً إلا وقد طبعوا ببعض من صفاء قلوبهم العلاقة بين الماضي والحاضر والمستقبل. وبعد أن عرف أبناء الصبيحة بإيمانهم الراسخ بعدالة القضية الجنوبية وسُبل الحراك الجنوبي السلمي، حيث تنتصر الآن كعهدها دائماً شموخ الصبيحة وصدق ووفاء أبنائها للأهداف النبيلة.. فاليوم بماذا يشعر الإنسان الجنوبي، يشعر أنه ليس هناك شبر من أرض الجنوب إلا ويتوق إلى أن يضع رفات المناضل فيصل عبداللطيف، الشهيد المميز بين الشهداء، المرتبط اسمه بالثقافة العالية، المحتقر للذاتية و«الأنا»، الذي لم يفكر وهو يخوض ثورة التحرر في مجد أو وزارة أو غير ذلك من الاعتبارات التي لم ترد على خاطر أحد من المناضلين الأوائل ومن الذين شاركوه ملحمة عشرين يونيو 1967 في كريتر، التي فقد فيها أعز شهيدين لديه: عبدالنبي مدرم وعلي سالم يافعي، اللذين كانا بصحبته صباح ذلك اليوم الأغر.. وقد سميت عدن بعد تلك الملحمة عاصمة التحرر العربي.

هكذا كانت الصبيحة وستظل تغني أغنية البطولة التي لا تموت.. فكانت في السياسة تعرف ما للشمال من واجب وما للجنوب من واجب وما لفلسطين من واجب، فتوجه الشهيد الدقم مع أخوانه من أبناء الجنوب إلى صنعاء للدفاع عن ثورتها، وتوجهت مجموعة أخرى إلى لبنان للدفاع عنها من الاجتياح الإسرائيلي، وأخرى بقيت حيث منبع الأبطال تقود معركة التحرر الوطني الجنوبي ضد الاستعمار البريطاني .. لقد كانت كل بقعة يمنية تحتلها الإمامة بجهلها وهمجيتها أو بقعة جنوبية يحتلها الاستعمار هي المكان الطبيعي لثوار الجنوب الذين كانوا يحلمون بغدٍ أفضل يعيش فيه الإنسان بكرامة وعزة ويربي أولاده على هذه المعاني السامية.. واليوم هاهي الصبيحة بتاريخها العريق تتصدع آمالها القليلة، فأبناؤها شهداء وآخرون في السجون(عماد أحمد غانم ورفيقه وليد علي حميدة) والسلطة مازالت تلوح بالهراوات والمحاكمات والسجون.

فهنيئاً لمن أطبق جفنيه عن الدنيا وهي بأسرها مشهد حي لرفض الظلم والاستبداد.. وحراك سلمي يمثل رؤيته التي طالما حلم بها، وهي أن يكون الوطن قائماً حياً بالمعنى الحياتي ليكون معه كل أبنائه الأحرار، ووداعاً لشهداء الصبيحة. ومازلت يا أخي حافظ أذكر ذلك المقهى الصغير الذي ارتشفنا فيه شاي الصباح في ديسمبر 2007م قبل أن نسير متعجلين إلى مهرجان كرش.. فأُخذت بعدها إلى السجن وأنت استشهدت وكانت تلك آخر رشفة شاي وآخر لقاء.

10مارس 2009م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى