الشاعر والملحن عبدالله هادي سبيت.. في الذكرى الثانية لرحيله

> «الأيام» كمال حسين منيعم:

> صادف أمس الأربعاء 22 أبريل الذكرى الثانية لرحيل الشاعر والملحن الكبير الأستاذ عبدالله هادي سبيت، وإحياء لذكراه الخالدة قمنا بتفريغ شريط يضم عددا من الموضوعات التي سلجها كأحاديث أدبية في الحالمة تعز في الربع الأخير من القرن الفارط.

وقد اخترنا من تلك الأحاديث موضوع «لماذا اللهجة المحلية لمدينة لحج فقط؟» التزمنا في نقله بالأمانة وعدم التدخل في الأصل، وأحسب أن جماعة المثقفين في الأربعينيات قد فطنوا إلى أن للتنوير دورا مهما في مجتمع يعيش ظلمات الأمية والجهل المتفشي وغياب وسائط الإعلام المختلفة من سينماء وراديو وصحافة، فعمدوا إلى المسرح فسخروا فيه قدراتهم المختلفة، كان للراحل «سبيت» أدوار مختلفة.

وقد روي عنه أنه كان يعمل ملقنا في إحدى المسرحيات، وكان عرض المسرحية يتم ليلتين في الأسبوع لعدة أشهر متوالية، وفي إحدى الليالي غاب بطل المسرحية، وعندما كاد يلغى ذلك العرض بسبب ذلك الغياب انبرى الأستاذ سبيت مسلما (توكة) التلقين ليقوم بدور بطل المسرحية في أروع صورة.

لماذا اللهجة المحلية لمدينة لحج فقط؟

تأليف عبدالله هادي سبيت

الإهداء: إلى كل ناظر ببصيرته لا ببصره

المقدمة:

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين والمرسلين، وعلى سائر آبائه وإخوانه منهم أجمعين، ورضي الله تبارك وتعالى عن سائر آله وأصحابه وأزواجه وأنصاره وذرياته ومن تبعه وتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

آمين وبعد:

فإذا كانت اللهجة المصرية قد غزت البلاد العربية والإسلامية وتمكنت من الأسماع والأذهان، فلأن أهلها يملكون الأداة الضخمة من إرسال إذاعي يصل إلى أبعد مداه، ومن أفلام سينمائية تعرض في طول البلاد العربية والإسلامية وعرضها، ومن مسلسلات صوتية ومرئية ومن كتب تنشر؛ ومن سفرائها في تلك البلدان وهم المدرسون والمهندسون والأطباء والعلماء الدينيون وغير ذلك.. أما أن تجد لهجة مدينة لحج المحلية فقط..

وأقول مدينة لحج، لأن هناك قرى تابعة لمدينة لحج قد لا تصلح لهجتها للأغاني والمسرحيات؛ وأقول المسرحيات لأنه سبق للشاعر مسرور مبروك أن ألف مسرحية (شوربان شاه أبوريشة) تلك المسرحية التي تكاد تكون غطت على مسرحية (عطيل) التي قدمتها فرقة العروبة للتمثيل برئاسة الفاضل مبارك سالم باشاذي، والمسرحية أصلا من تأليف شكسبير، وكذا غطت على مسرحية (في سبيل التاج) وقد نقلها إلى اللغة العربية الكاتب المبدع الشيخ مصطفى لطفي المنفلوطي، وقد أعدها للمسرح الأديب عبدالله عبدالكريم السلامي رئيس الفرقة القومية للتمثيل، وكذا مسرحية (العروبة والوفاء) التي قدمتها فرقة العروبة للتمثيل، وكذا مسرحية (عبدالرحمن الناصر) و(موسى الهادي) اللتان قدمتهما الفرقة القومية للتمثيل، وكل تلك المسرحيات قدمت باللغة العربية الفصحى.

وأخيرا مسرحية (كم بم بم) التي لم يكتب لها حظ البروز حيث قدمتها للفاضل مبارك سالم باشاذي في أوائل السبعينات بعد أن حاولت فرقته أن تجدد نشاطها، فصممت على إعادة عرض مسرحية من مسرحياتها التي فُقدت نصوصها، وما كان من رئيسها إلا أن قدم إليّ بعض ما تذكره الممثلون من حوار وأعانني الله إلى إبرازها من جديد بشكل مسرحي متطور، بحيث لا يغلق الستار إلا بعد ما يقرب من نصف ساعة أو على الأقل عشرين دقيقة.

أقول.. إن كل تلك المسرحيات مع كل ما كان يصرف من بذخ على المناظر ومع غزارة اللغة العربية الفصحى خصوصا ماكانت تقدمه «الفرقة القومية للتمثيل» لأن غالبية ممثليها كانوا أدباء بفطرتهم لم تستطع الوقوف أمام تلك المسرحية التي قدمها الشاعر مسرور مبروك بلهجة مدينة لحج المحلية، تلك اللهجة التي أعطتها أسماع أول بعثة مصرية للتعليم في لحج، أعطتها كل إدراكها، وما أسرع ما أتقنتها الألسن وأعطاها المدرسون في القاهرة كذلك كل انتباه، حيث كانوا يطلبون من الطالب اللحجي أن يتكلم بلهجته المحلية في الفصل، ويقوم بعض المدرسين بإرجاعها إلى الأصل العربي ككلمة «أبا» بتضخيم الباء تعني كلمة أبغى بالألف المقصورة، وكلمة «دوب» بضم الدال ومدها بالواو وسكون الواو التي تعني «دؤوب» بضم الدال وضم الهمزة ومدها بالواو وسكون الباء بمعنى «دأب» بفتح الدال والألف والباء، أي هذا «دأبه» بفتح الدال وسكون الهمزة وضم الباء والهاء.

أقول.. إنني أتقدم بهذا الجهد المتواضع إلى القراء وإلى السامعين إن وفقني الله إلى تسجيله في شريط، بحيث يستطيع القارئ أن يقرأ بعد أن يشغل الشريط لتكون الفائدة قد لامست ذهن هذا وذاك، سائلا المولى جل وعلا أن يغفر لي إن كنت قد جعلت من العينين التي هي من أغلى نعمه جل وعلا على الإنسان موطن زلل، ولقد قال في كتابه العزيز عن اللواتي رأين سيدنا يوسف على نبينا وعليه وسائر الأنبياء والمرسلين أفضل الصلاة وأزكى السلام:

(فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاشا لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم) صدق الله عظيم.

وقال في وصف الحور العين في جنات النعيم (قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان).

أما عن تأثير العيون في اللغة العربية الفصحى فأكتفى بقول شاعر عربي قديم:

إن العيون التي في طرفها حور

قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به

وهن أضعف خلق الله إنسانا

تصور.. لم يكلف نفسه أن يستعرض الأسلحة كما يظهرها الكثيرون في استعراضات المناسبات القومية، بل اكتفى بقوله «يصرعن» ولن أزيد هنا ولا حتى حرف واحد.

كما أحشر نفسي في هذا المجال، فقد سبق لي أن ألفت قصيدة في الاحتفاء بذكرى المولد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام لعام 1365هـ؛ وذلك في الصفحة رقم 17 من الطبعة المصورة «المخطوطة المصورة» بديواني «الدموع الضاحكة» قلت:

سلّم إذا ما تصدت أسهم المقل

فللواحظ فتك البيض والأسلِ

ذات الجفون التي بالسلك قد منعت

كأنه الحد بين العقل والخبل

في نونها شرس قد زانه حور

ينهي الرجاء ويحيي ميت الأمل

حين اللحاظ ترى الأبطال خاضعة

كأنها هوجمت بالحادث الجلل

هذا سلاح ذوات الخال كم حظيت

به النفوس وذاقت أسوأ العلل

الناعسات بألباب الورى ملاحظة

الراميات القوى القعساء بالشلل

فكم قتيل لها ذاق منيّته

مستشهد غير هياب ولا وجل

سل البقيع وسل بدرًا وسل أحدًا

فكم بها من شهيد بالهوى ثمل

قد آمنوا بالهوى حقًا وقد جُبلوا

على المحبة والإخلاص في العمل

لله؛ للمصطفى الماحي بملته

حثل الضلالة والأضرار والختل

سل التاريخ عنهم؛ إنها ملئت

بخالد الذكر والعليا من المُثل

وإنني خوفاً من الإطالة أكتفي بهذا؛ وأقدم هذه العجالة راجيا من المولى جل وعلا أن يجعلنا جميعاً ممن يقدرون نعمته على الخلق أجمعين لإبرازه كل أنثى غمرت هذا الكون بإنتاجها الرائع، ذلك الإنسان الذي غزى أعماق الثرى وأجواء الفضاء باحثا منقبا عن معرفة خالقه الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى