الصبيحة.. تلوث بيئي يعبث بالأرواح .. فهل من منقذ؟!

> استطلاع/ علي الجبولي:

> التمتع ببيئة نظيفة صحية وآمنة، ووقاية من الأمراض، وتوفير ظروف عمل لعاملي النظافة تكفل لهم السلامة والصحة، ومنحهم أجور منصفة تضمن عيشا كريما وكافيا لهم ولأسرهم حق أصيل من حقوق الإنسان التي شددت إعلانات واتفاقات وعهود الشرعة الدولية على حمايتها والإلزام بها. ولم تغفل التشريعات الوطنية أهمية النظافة وحماية البيئة، إذ أوردت المادة (35) من دستور الدولة اليمنية "حماية البيئة مسئولية الدولة والمجتمع، وهي واجب ديني ووطني على كل مواطن".
أما قانون (حماية البيئة) رقم (26) لسنة 1995م، فحملت مادته (4) فقرة (ج) ما يلي: "تقع مسئولية المحافظة على البيئة ومواردها الطبيعية ومكافحة التلوث وحماية الحياة البرية والبحرية على عاتق سلطات الدولة الرسمية والمؤسسات العامة والخاصة ...".
لاشك أن من يطلع على التشريعات الوطنية يذهل من حرصها على حماية حقوق الإنسان، بما فيها حقه في بيئة نظيفة، لكن لا أثر للتطبيق على الواقع.
في هذا السفر المتواضع نذهب بالقارئ الكريم إلى إحدى المدن الريفية الصغيرة لنتلمس همومها وآلامها. إنها مدينة طور الباحة حاضرة الصبيحة بمحافظة لحج التي تكالب على إنهاكها والعبث بها تحالف الفساد والخوف وشحة الماء وغياب الكهرباء، والتردي المرعب للنظافة والتلوث البيئي .. فإلى الحلقة الأولى من الاستطلاع.
* البيئية المشيدة تولد مخاطر
تردي النظافة والتدهور البيئي الذي تغرق فيه اليوم عاصمة الصبيحة (مدينة طور الباحة) وضواحيها أصبح ينذر بكارثة بيئية وصحية مدمرة تطال المدينة وقرى المنطقة بأسرها، بعد أن اجتاز التلوث درجة التلوث العادي إلى درجة التلوث الخطر.
فتردي النظافة في مدينة طور الباحة ليس بالمشكلة الجديدة، ولا وليد الفوضى التي تعصف بالبلد منذ يناير 2011م، بل هو نتاج فساد أجهزة السلطات المحلية المتعاقبة، إذ تتبدد أسباب تردي النظافة وتلوث البيئة في النشوء المشوه لهذه المدينة الصغيرة، وفي عشوائية البيئة المشيدة ومكوناتها من مبانٍ وشوارع وطرقات ومرافق خدمات، وفي افتقار المدينة لأبسط مظاهر التخطيط العمراني السليم، وإلى البنية التحتية لخدمات الصرف الصحي من حمامات وشبكات مجارٍ.
هذا الوضع البيئي غير السوي أخذ ينشأ منذ عام90م، ليتفاقم بصورة أخطر منذ أبريل 2008م، عقب انهيار سلطة الدولة في المنطقة، وما صاحبه من حمى نهب الأراضي. ثم تسارع الانهيار خلال الأعوام الأخيرة على مختلف الأصعدة، حتى وصل إلى نقطة اللاعودة، واجتازت درجة التلوث العادي إلى درجة التلوث الخطر، جراء ما تفرزه المدينة من مخلفات وملوثات ومخاطر تهدد البيئة بما تشمله من إنسان ونبات وتربة ومياه وهواء وأراضٍ زراعية بعواقب وخيمة.
طور الباحة
طور الباحة

في ظل هذا النشوء المشوه واتساع البناء العشوائي ونهب كل شبر من الأراضي، وفي ظل تعطيل القانون وغياب رقابة سلطة الدولة تحولت شوارع المدينة إلى بسطة متنافرة، ومفرش ضيق ومتصل لبيع كل معروض، يختلط فيه بيع الخضار والفواكه والمشروبات والمأكولات، والقات والأسماك والدجاج التي تقطع في شوارع المدينة، وعلى أبواب المحال والمطاعم وصوالين الحلاقة.
وفي آخر النهار تترك كل المخلفات في مكانها لتختلط بالأتربة وأكياس النايلون والعلب الكرتونية والزجاجية والبلاستيكية، والأسماك الكاسدة ورؤوس ودماء وأحشاء الأسماك والدجاج وأكوام القمامة والمخلفات الآدمية والحيوانية. كي تتحول إلى كتل نفايات مقززة وسط الشارع العام، وأمام المطاعم والمشارب والدكاكين وبجوار سور المستشفى وكلية التربية والمدارس ومرافق الخدمات، والمباني العامة والخاصة.
لا أحد يحرك ساكنا، بل تترك مرتعا خصبا لتوالد وتكاثر الذباب والحشرات، ومصدرا للروائح الكريهة، تنقلها الكلاب والقطط والرياح ومياه الأمطار إلى مزارع المواطنين وآبارهم التي غدت المصدر الوحيد لمياه الشرب.
مخلفات تتراكم لأسابيع
رغم صغر مساحتها تنتج مدينة طور الباحة يوميا نحو (7) أطنان من المخلفات والنفايات، والعلب البلاستيكية والزجاجية والكرتونية، وبقايا بضائع كاسدة، ومخلفات الأطعمة والاستهلاك اليومي، والمخلفات الآدمية والحيوانية، وبقايا الحيوانات المذبوحة والنافقة، ومخلفات ورش إصلاح وغسل السيارات..إلخ.
هذه المخلفات تتراكم داخل المدينة لأيام وأحيانا لأسابيع، مخلفة أضرارا فادحة بالبيئة والإنسان، تتمثل بأضرار صحية، فهي تغدو مأوى ومرتعا للحشرات والقوارض والذباب، وتوالد الكائنات الدقيقة وانتشارها، ومصدرا للروائح العفنة وعوائق للسير، وبأضرار جمالية تتمثل في تشويه منظر المدينة، وتثير النفور والتقزز.
وعندما تهطل الأمطار أو تتسرب مياه الصرف الصحي تصبح أوحالا ومستنقعات عفنة، ومياه آسنة لتوالد الحشرات والبعوض، بما فيها ناقل الملاريا وحمى الضنك.

بيئة ملوثة تنذر بمخاطر
في ظل محيط بيئي سيء النظافة يتوفر مناخ ملائم لتوالد وتكاثر الحشرات ونمو البكتيريا والميكروبات والطفيليات، وانتشار البعوض في منطقة لا تعرف حملات الرش ومكافحة للبعوض منذ سنوات طويلة، رغم أنها لا تخلو من الملاريا وحمى الضنك والتيفوئيد، وأمراض الكبد، والحميات المعوية والإسهالات ..إلخ.
أما غياب أنشطة الوقاية من الأمراض السارية والوبائية والمعدية، وغياب أدنى رقابة وتفتيش صحي، فقد شجع على ممارسة بيع أطعمة وأشربة تالفة وغير صالحة للاستخدام الآدمي.. كما أوجد افتقار المدينة إلى مياه كافية للنظافة وسطا ملائما لانتشار الميكروبات وتوالد الذباب والحشرات والبعوض بمختلف أنواعه. حيث أظهرت نتائج مخبرية سابقة أخذت من المنطقة وجود بعوض (بلازموديوم فاليسبارام) الناقل لطفيل الملاريا، بينما أكد فريق تحري حشري وجود بعوض (Aides ) الناقل لحمى الضنك في المنطقة.
مشروع في قبضة الفاسدين
لم تعرف مدينة طور الباحة شبكة مجاري الصرف الصحي بعد، رغم بدء العمل في إنشاء مشروع من هذا النوع قبل (8) سنوات، صرفت من أجله عشرات الملايين من الريالات، لكن المشروع واعتماداته لم يسقطا في حفرة راشحة وإنما في حفرة الفاسدين التي لم تمتلئ حتى اليوم.

تفتقر المدينة إلى الحمامات العامة والخاصة، ما حول أزقتها وجدران مبانيها ومنشآتها العامة والخاصة وأسوار المدارس وكلية التربية، وسور المستشفى وأقسامه وعياداته وحماماته المعطلة والشجيرات والخرابات المحيطة بالمدينة إلى حمامات مفتوحة لقضاء الحاجة، إذ أن معظم سكان المدينة هم من أصحاب المحلات والمتسوقين والموظفين والطلاب الذين تجبرهم ظروف عملهم على العيش في المدينة، ولعدم وجود مياه ومراحيض يضطرون لقضاء حاجتهم (التبول والتبرز) في العراء.
في المدينة بعض المباني الحكومية الصالحة لكن نوافذها وأبوابها نهبت، حينما تعرضت هذه المرافق للنهب والتخريب عام 2008م، ومنها مقر المؤتمر الشعبي العام وبعض مباني التعاونية الاستهلاكية والسجن القديم، مما حول هذه المباني إلى حمامات مكشوفة لقضاء الحاجة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى