شيخان.. فصل آخر من مأساة شاب قتلت رصاص الجنود أحلامه

> تقرير/ ماجد الشعيبي

> أقعد شيخان شهاب قنّان (24 عاما) ناشط شاب في الحراك الجنوبي - إجبارا على كرسي متحرك، في منزله الواقع أعلى مدينة (القلوعة) إثر إصابته بشلل نصفي، غيَّر مجرى حياته الشخصية وحياة عائلته بشكل كلي.
مِنْ لعبِ كرة القدم في نادي الروضة إلى الرقود الإجباري على سرير الإعاقة، يعيش صديقنا شيخان تفاصيل يومية لم يكن يألفها، من قبل.. شاب عاد للحياة مجداً بعد أن اعتقد الكثير من أقاربه حتمية وفاته متأثراً بإصابته البالغة في ليلة من ليالي عدن الحزينة.
أحلام لاعب كرة القدم الطامح للوصل للنجومية تبددت، بعد أن اخترقت رصاصة جسده النحيل في ليلة 25 فبراير، بعد اقتحام مدرعات للشارع الرئيسي في المعلا أثناء احتجاجات شعبية شهدتها مدينة عدن خلال الفترات السابقة.
كان شيخان واحدا من المسعفين الذين قرروا إسعاف الشهيد وليد هائل الذي أصيب في الرأس، وبعد تحركهما بخطوات، أطلقت نيران كثيفة أثناء مرورهما في الشارع الرئيسي بالمعلا، وتمكنت رصاصة من اختراق جسد شيخان ليفقد وقتها الوعي، أثناء ما كان يمسك جسد الشهيد وليد بكلتا يديه محاولاً إسعافه.

لم يشعر شيخان بالرصاصة التي نالت منه، إلا أنه يتذكر كيف شاهد الدم يملأ قميصه ومشاهدته الجرح في يده اليسرى،ومشاهد أخرة يتذكرها أثناء إسعافه إلى مستشفى النقيب يقول: “إنه كان يسمع ما يدور من حوله ولكنه لم يكن قادراً على الحركة”.
أصيب شيخان برصاصة معدل دخلت من صدره وتمكنت من اختراق ظهره، مما سبب في فقدانه لعدد من أضلعه أدى ذلك إلى إصابته بشلل نصفي.
غادر الشاب إلى الهند للعلاج وعاش هناك فصولا من المعاناة، فتكاليف العلاج نتيجة حالته الصحية الحرجة كبيرة لم تقدر عائلته على توفير آلاف الدولارات،ووصل الأمر إلى بيع الكثير من متعلقات منزلهم بعد فقدانهم الأمل في الكثير ممن كان يعول عليهم في مساعدته.
* في منزل شيخان
نحن في منزل الجريح شيخان، وقد أمضينا دقائق قبل وصولنا لمنزله الشعبي الذي توصلك إليه طريق جبلية متعرجة تبدو لسالكها الغريب صعبة، وسيكون أمام شيخان وعائلته تحديا كبيرا إذا ما أراد مراجعة المستشفى لتلقي العلاج.
يتوشح شيخان علم الجنوب ويحرص على أن يكون رفيقه الدائم بعد تخلي الكثير من قيادات الحراك عنه في وقت كان بحاجتهم، هو الذي ظل على مدى السنوات السابقة يمتدح عطاءهم الثوري، وحينما وضعه القدر في اختبار مع إصابته لم يلمس أي اهتمام من تلك القيادات التي كانت تغلق سماعة الهاتف متعمدة مع كل اتصال كان يجريه محاولاً إنفاذ نفسه من الشلل الكلي الذي كان يهدد مستقبله إذا ما غادر للعلاج في الخارج.
بالنسبة لشيخان، ظهور عبود خواجة كان كمن ينقذ غريقا في لحظاته الأخيرة،يسرد شيخان قصة معاناته في الهند وتكاليف علاجه الباهظة، والتي تحمل خواجة جزءا كبيرا منها، وبرغم أنه كان يحتاج للبقاء في الهند لمدة أطول قبل أن يعود لمدينة عدن، إلا أن التكاليف الباهظة كانت تحول دون ذلك.
ما يزال شيخان يحتاج حتى يستعيد جزءا من نشاطه وجسده إلى علاج طبيعي،وهذا العلاج الطبيعي المتخصص بمثل حالته لا يتوفر في عدن، ويتوجب عليه السفر مجدداً للهند لاستكمال العلاج، خصوصاً وقد عاد قبل أن يكمل العلاج الطبيعي بسبب التكاليف الباهظة التي كان يدفعها هناك.

عصام هو الشقيق الأصغر لشيخان،وأكثر الأشخاص مقربة منه، التقيناه قبل أن نشق الطريق طلوعاً للمنزل، وحينما سألته ونحن في الطريق عن وضع شيخان، وكيف يتمكن من النزول إلى المستشفى، سرد لي عصام الكثير من الحكايات والمعوقات التي تقف أمام شقيقه وعن معاناتهم بعد تعرض أخيه للإصابة.
يشعر عصام أن قيادات الحراك خذلت شقيقه الذي توقف عن الحركة فجأة، وهو الذي تعود أن يكونا معاً عند الخروج من المنزل صباحاً حتى العودة، وحالياً يحمل عصام وأمه عبئا كبيرا إذا ما تحتم الأمر خروج شيخان من المنزل، فمسألة الوصول للمستشفى من المنزل مسألة ليست بالسهلة، خصوصاً ووسائل المواصلات تجد صعوبة بالوصول إلى المنزل الذي يقع في مكان مرتفع.
واقع شيخان الجديد
تخرج شيخان من ثانوية مأرب في العام 2009 م والتحق بكلية اللغات في جامعة عدن، وتوقف إجبارا عن الدراسة وهو في عامه الثاني بعد تعرضه للإصابة. خلق شيخان لنفسه واقعا جديدا في منزله، حيث أقام بمساعدة أقربائه، بنصب حديدتين أمام باب المنزل أشبه بالممر، يتكئ عليهما لكي يقوم بعملية الوقوف ومحاولة السير، كجزء من العلاج الطبيعي وكمحاولة منه لتحدي الإعاقة، فمسألة
مكوثه على سرير المرض لن تفيد بشيء،وبحسب أطباء فإن عليه الاستمرار في العلاج الطبيعي كي يتحسن وضعه.
يتمنى شيخان من القيادات الجنوبية التوافق وسرعة انعقاد المؤتمر الجنوبي الجامع، وأن يعطوا للشباب فرصة في قيادات المرحلة القادمة باعتبارهم الشريحة الفعالة في الثورة. كان شيخان واحدا من الشباب المشاركين في فعاليات الحراك الجنوبي انطلاقاً من مدينة لودر مسقط رأسه، حتى المشاركة في مهرجان الهاشمي الذي يتذكر تفاصيله المرعبة جيداً، مروراً بالمشاركة مع شباب الحراك في إسقاط النظام السابق عام 2011 ، وهو العام الذي تغيرت فيه تفاصيل كثيرة أقلها بالنسبة لحياة شيخان.

في سن مبكر بدأ شيخان يناضل من أجل عائلته بعد تحمله مسؤولية بعد أن توفي والده في العام 1998 ، تاركا معه إرثا من المتاعب تحملها الشاب الأسمر الذي تحدى تفاصيل واقعه الصعب.
بمرتب قدره 30 ألف ريال يمني يستلمه كل شهر يعيش شيخان وعائلته المكونة من أربعة أفراد، على هذا المبلغ، وزادت إعاقته من فصول المعاناة والتعب لهذه الأسرة التي تعيش وضعاً صعباً.
لاعب كرة القدم الذي كان يدافع عن فريقه ببسالة في كل المباريات التي يخوضها مع نادي الروضة، لم يجد من يدافع عليه وقت مرضه، ذلك الشاب المقعد إجبارا على سرير الإعاقة، برغم دفاعه المستميت على فريقه، وحرصه الشديد على الدفاع عن وطنه، ففي كل مشاركاته الثورية ترك اليوم وحيداً يدافع عن نفسه.
على غرار كثير من الأمور التي تحبط ينتاب شيخان الكثير من الأمل والثقة الكبيرة بقضاء الله وقدره، ويثق بأن أحلامه التي توقفت بسبب إعاقته، ربما يتغير الحال ويأتي اليوم الذي يعود فيها لوضعه السابق ويكون قادراً على تحقيقها من جديد.
يحلم شيخان أن يكون صحفياً متميزاً ليخدم قضيته ووطنه، كان ذلك قبل إصابته التي يقول إنه وقفت حائلاً أمام تحقيق أحلامه التي كان يجتهد لتحقيقها، ومع كل هذه الفصول التراجيدية من حياته،إلا أن أحلامه ستجد طريقاً لتتحقق.
لطالما أراد شيخان وأخوه عصام أن يشاهدا صورة لهما على ورق صحيفة“الأيام”، ولكنهما لم يتوقعا أبدا أن هذا اليوم سيأتي وشيخان طريح الفراش، يشرح لمحرر الصحيفة وضعه الجديد مع الإعاقة.
أوصاني شيخان قبل المغادرة أن أبلغ أسرة صحيفة “الأيام” مباركته لعودتها للصدور وقال: “إن إعاقته منعته من الذهاب لتهنئة الصحيفة لمقرها”، ووضعه الحالي لم يشفع له، متمنياً للصحيفة التقدم والتوفيق في عملها في خدمة القضية الجنوبية. زارت صحيفة ال “الأيام” الشاب ابن قنّان إلى منزله وجلست معه وتعرفت على تفاصيل حياته بعد إصابته، وأثناء حديثه كانت ملامح شيخان برغم صموده تظهر الكثير من الأحزان والآلام معاً، موقف لا يمكن وصفه بكلمات مختزله.
حياة مغايرة لحياته السابقة التي كان يعيشها مثله مثل باقي شباب مدينة عدن، يواصل تعليمه الجامعي ويمارس الرياضة، ويشارك مع بقية الشباب في المسيرات السلمية، وكل تلك التفاصيل تغيرت، ولشيخان تفاصيل أخرى مع أربعة جدران ونافذة.
الذي كان يتحدث معكم هو شيخان والذي سيعود للعب كرة القدم هو شيخان أيضا ابن مدينة المعلا.. في قادم الأيام سننتظر جميعاً عودة شاب يحلم دون توقف، حتى وهو مقعد لم يجد حرجاً في كسر كل القيود والظهور على صفحات التواصل الاجتماعية يتحدث مع الكثير من أصدقائه، يذكرهم بأن شيخان الجريح ما يزال حياً وأعضاؤه تتحرك من جديد..وذكر لعل الذكرى تنفع أحياناً..

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى