مسجد العيدروس .. معلم أثري شهير وقبلة للعلم والعلماء

> تقرير/ عبدالله مجيد:

> يعد مسجد العيد روس من أشهر الآثار الإسلامية وأعرقها في عدن، إذ يعود تاريخ بنائه إلى أواخر القرن العاشر الهجري، وصار حالياً قبلة يؤمه الآلاف من الزوار والسياح سنوياً، ممن يقدمون إلى هذه البلدة للتنزه والسياحة، أو ممن يأتون إليه بغرض تحصيل العلم الشرعي من داخل الوطن وخارجه.
ينسب هذا المسجد إلى بانيه الإمام أبو بكر بن عبدالله العيدروس بن أبي بكر بن عبد الرحمن السّقاف، ويصل نسبه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه. ويقال إن أول من لقب بالعيدروس هو والده السيد عبدالله بن أبي بكر. وأصل هذه الكلمة مشتقة من (عترس) وهو العظيم الجسم أو بمعنى الأسد، وكلمة (عيدروس) هي تحريف لكلمة (عتريس) وتعني الجبار والداهية والعترسة كما ذكرها أبادي في القاموس المحيط، والمنجد في اللغة والأعلام.
ويروى عن الإمام أنه كان من أشهر فقهاء عصره وله العديد من المؤلفات العلمية والدينية والمخطوطات منها (حجة المسالك وحجة الناسك، والجزء اللطيف في التحكيم الشريف)، وأنه عندما قدم إلى عدن واستقر فيها كان أول عمل يقوم به هو بناء المسجد وجعله مكاناً للتدريس ومناقشة العلم ومدارسته، وحل مشاكل المواطنين، كما كان يقوم بجمع التبرعات وشراء بها الملابس وذبح الأغنام وتوزيعها على الفقراء والمساكين.
وظل يمارس دوره الديني والتنويري وأعمال الخير في هذه البلدة لـ 25 سنة، حتى توفاه الأجل وانتقل إلى جوار ربه ليلة الثلاثاء 14 شوال 914 هجرية الموافق 1508م، ودفن في نفس المكان وبني فوق ضريحه قبة إلى الشمال من المسجد.
ومن أشهر العلماء الذين عملوا في إمامة وخطابة هذا المسجد والتدريس فيه العلامة علي محمد باحميش والسيد سالم بن عبدالله الشاطري والحبيب أبو بكر المشهور والحبيب صادق السقاف وغيرهم الكثير، ويتولى إمامته حالياً السيد محضار بن حمزة.
زيارة الإمام العيدروس
وتعد زيارة الإمام العيدروس من أبرز المناسبات الدينية التي يحتفل بها أهالي عدن، حيثُ يستعدون للاحتفال بها قبل فترة من حلولها، فيقومون بتزيين المسجد بالأعلام والأنوار والزينات.
وتقام هذه الزيارة الدينية في 13 ربيع ثاني من كل عام هجري في ذكرى دخوله إلى عدن في عان 989 هجرية.
ويذكر المؤرخون أن مناسبة الزيارة السنوية كانت تعقد خلال حياة الإمام العيدروس بعدن، حيث كان يعيد هذه الذكرى، ويجري فيها من العادات الحسنة ما يعود بالنفع على المحتاجين والفقراء، ومنها عادة الكسوة، فقد كان يحمل في الموكب أحمال من الكساء والملابس، ثم يوزعها على الفقراء والمحتاجين، وقد أبدلها المتأخرون بحمل الكسوة المعروفة الآن من الألبسة التي تُكسى بها القبور، ويقول الداعية والمفكر الإسلامي الحبيب أبو بكر بن علي المشهور في مؤلفه (جلاءُ الهم والحَزَن بذكرى ترجمة صاحب عدن الإمام أبي بكر العدني بن عبدالله العيدروس) في ذكره لهذه الزيارة "إن هناك فرق كبير بين ما وضعه الإمام العيدروس من الصدقات الجارية، وبين العادات المستحدثة التي اخترعتها العوام، وحورب بسببها أهل الإيمان والإسلام".

ويقول إن الموكب كان موكب علم وولاية يسير فيه كبراء العلماء والفقهاء، وأهل الحل والعقد وفاءً للإمام العيدروس وأعماله الجليلة، إلا أن مرور الأعوام وتغير المراحل حول بعض مناسبات الزيارة أدى إلى الاختلاط مع النساء، والاهتمام باللباس والكساء، وخرجت العادة من مقصودها المؤسس على تقوى، إلى عادة شعبية دخلتها الإضافات، واكتنفتها في بعض جوانبها الشبهات، حتى صارت فيما بين مرحلة الاحتلال حتى نهاية عصر النظام الاشتراكي تشتمل على تقاليد إضافية عكستها الظروف المتقلبة، كمشاركة فرقة موسيقى الجيش الرسمية في مسيرة الموكب العام يوم الزيارة، وأيا كانت دوافع المشاركة فإن الزيارة بذلك تكون قد اكتسبت مظهراً بهيجاً واحتفالاً مرموقاً جذب الناس من كل حدَب وصوب، ويوضح الحبيب المشهور بأن الناس في غالب شؤونهم لايدققون في مسألة صحة هذا المظهر من ناحية الشرع أم لا، ولهذا السبب بدأ بعض المنتقدين على هذه المظاهر والزينات الشعبية يشددون النكير، ويفسرون المسألة بما فسرته بعض الآراء الحديثة، وأن في هذا التقديس والتعظيم لوناً من الإفراط وتهيئة جو العصبية باسم العلم والعلماء، تحت ظل احترام الأتقياء والأولياء.
ويتخلل هذه الزيارة التي تستمر أسبوعاً كاملاً كما يوضح الشيخ عبد العزيز السّقاف العديد من الأنشطة الدينية، كالتعريف بهذا الولي وذكر مناقبه والتغيرات التي حصلت بدخوله إلى هذا الواقع حتى صار رمزاً يُحتفى به في هذه البلدة، بالإضافة إلى تقديم البحوث من قبل الطلاب الخريجين ممن انتسبوا إلى الرباط وجمعوا بين العلم الأكاديمي والشرعي، وكذا إلقاء المحاضرات الدينية والتوعية، ويوضح السقاف بأن الزيارة تختتم صباح الجمعة بمسيرة الموكب العام الذي ينطلق من أمام منزل منصب عدن الحبيب مصطفى زين العيدروس إلى ضريح الإمام بالمسجد وزيارته.
حلقات العلم
وليحرص الحبيب المشهور على نشر العلم الشرعي وتعليمه للأجيال أنشأ رباطاً للعلم تابعاً للمسجد، فصار قبلة يأمها عشرات الطلاب سنوياً من داخل البلاد وخارجه، ممن يأتون لتعلم العلم الشرعي من دول شرق آسيا كأندونيسيا وماليزيا وتايلاند وسريلانكا وغيرها، وكثيرون من هؤلاء قد انتسبوا إلى معهد البيحاني وآخرون إلى بعض كليات جامعة عدن ممن قد تمكنوا من التكلم باللغة العربية الفصحى.
ويوضح الأستاذ خالد علوي السقاف بأن هذا الرباط الذي يعود تاريخه إلى عام 1995م وغيره من أربطة التربية الإسلامية المنتشرة في داخل البلاد وخارجها يحرص على ربط الطلاب بالمدرسة الأبوية المسندة، القائمة على الوسطية والاعتدال، وكذا لتمكينهم من الجمع بين العلم الأكاديمي والعلم الشرعي، ويوضح السقاف بأن هذه الأربطة فتحت أبوابها لاحتضان كافة طلاب المدرسة الحديثة على أنماط متفاوتة لربطهم بالمدرسة الأبوية، والتي كان لها الأثر الإيجابي في واقع الحياة بتخريج العديد من حفظة القران والدعاة، وكذا توظيف طاقات الشباب بما يعود عليه ومجتمعه بالنفع والخير.
مركز الإبداع الثقافي
تأسس مركز الإبداع الثقافي للدراسات وخدمة التراث التابع لأربطة التربية الإسلامية في 1418 هجرية، وهو مركز بحثي علمي يهتم بتقديم البحوث العلمية المختلفة، ويوضح مدير المركز الأستاذ عبد الرقيب العطاس أن لهذا المركز نشاطاً علميا وثقافيا واجتماعيا على مدار العام، كتنظيم المؤتمرات والندوات والحلقات العلمية، والمساعدة في إنجاز العديد من رسائل الماجستير والأطروحات لنيل شهادة الدكتورة، بالإضافة إلى إصدار مجلتين نصف سنوية (الجذوة)، والجذوة الخاصة بالأطفال، وعدد من المؤلفات للمفكر العلامة أبي بكر المشهور، كما يوجد في المركز استديوهان للتسجيلات المرئية والصوتية.

الخدمات الطلابية
ولهذا المسجد سكن داخلي خاص بطلاب العلم ممن ينتسبون لهذا الرباط، يقول الأستاذ رمسيس أحمد علي إن الرباط يوفر كل الخدمات التي يحتاج إليها طالب العلم من مسكن ومأكل ومشرب وخدمات صحية، بالإضافة إلى تسهيلات أخرى، كما للمسجد مكتبة كبيرة تحتوي على أُمهات الكتب في مجالات متعددة، كالكتب الدينية وكتب اللغة والتاريخ وسواها.
توسعة المسجد
لقد كان المسجد في بنائه الأول عبارة عن مسجد صغير بني على الطراز المعماري الإسلامي القديم، قبل أن يتم التجديد فيه، وكان أول من جدّد عمارة المسجد والقبة أحد أثرياء الهند من حيدر أباد عام 1270م وتوسعة حديثة أشرف عليها منصب عدن الحالي الحبيب مصطفى زين العيدروس في عام 1977م وأخرى في عام 1992م مع إضافات أخرى.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى