الشيوخ والوجود

> سالم العبد:

> في سوق (الصيد) السمك في مدينة المكلا دانة حضرموت المشرقة، رغم الأنواء والرزايا العاصفة والثقيلة، يشتغل عدد من الشيوخ الذين تجاوزوا العقد السابع ربما من أعمارهم المديدة بإذن الله ، يشترون الأسماك بالجملة أو بغيرها ، ثم يبيعونها للمستهلكين.. خلاصة فلسفتهم في الحياة - بالعمل وحده يتحقق جوهر الوجود - فالإنسان الذي لا يعمل ولو لسد إحتياجاته الضرورية في الحياة ، لاوجود له وإن عاش بين الناس ! قلت للعم سبيت ذات مرة:"إنك تستحق الراحة بعد كل السنوات التي إشتغلت فيها".."أجابني وهو ينظر من فوق نظارته المقعرة ويبتسم ..يابني إذا ماسرحت يوم يجينا الغثا والمرض.. هكذا بلهجته المكلاوية البسيطة ، فهم لايجيدون تنميق الكلام ولاالتقعر فيه، هناك أيضاً العم سالم (بوسبعة) والعم سالم حبول وهو يلتزم دون التزام ببيع أسماك الجذب والباغة وماشابهما، حين أمر من أمام فرشته، يستحضر على الفور أبياتاً حكيمة من قصائد حكيم المكلا الشاعر سعيد باحريز رحمه الله تناسب الظرف والمقام..مثل قوله: "حقك إذا ماهو بيدك، مامعك حجة وحق، ياللي تناوط عالسماء،وين السماء منك بعيد"..
وفي ركن قصي من "الماركيت" كما يسمونه أبناء المكلا يقف مبروك بخضر وهو من أهالي الشحر الطيبين، يبكر كل شارقة نهار من مدينته الشحر ليأخذ بأسباب الرزق في المكلا التي يحبها مثل سعاد تماماً،ويعود بعد أن يفرغ من شغله إلى أسرته وأحبابه..وهذا الرجل اسم على مسمى كمايقولون..فقد لاحظت مراراً أطفالاً يقفون عند فرشته دون أن يتكلموا، فيعطيهم السمك الذي يكفيهم لأسرهم دون أن يستلم منهم نقوداً، ولما سألت بعض الناس،قالوا بإن عدداً من الأسر يدفعون في آخر كل شهر، وإن عدداً قليلاً منهم لايدفعون مطلقاً أو أنهم يقسطون ماعليهم بحسب الاستطاعة.
يقف خلف مفارش بيع الأسماك في مدينة المكلا الصابرة كثيرون، صغاراً في السن وكباراً، يكافحون غلاء الأسماك وهم يرمقون البحر القريب منهم بحسرة،واستئثار المتنفذين بأساطيلهم من القوارب بأحجامها،والسيارات المبرّدة بأنواعها.. على ثروتهم الطبيعية التي لم تعد منحة ربانية لهم وللأهالي!!بفعل الجبروت والظلم الغاشم وليس أمامهم سوى الثبات خلف مفارشهم،ولسان حالهم يقول:"كانت لنا هذه الآفاق كلها، والبحر والأرض وماعليها وماهو بباطنها،وستعود إلينا بصبرنا وثباتنا، فنحن أهلها وسنظل معها إلى يوم يبعثون، ثم يهجسون بأفكار لايقولونها أويفصحون عنها.. كونوا مثلنا أيها الأبناء القادمون، ودعوا عنكم التبرم والتذمر والاستسلام للخمول والدعة والكسل ،مهما كانت المصاعب والمظالم فالشغل وجود..ومن لاشغل له لاوجود له.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى