نظرية القرود الخمسة

> صلاح السقلدي:

> أحضر أحد العلماء الغربيين المهتمين بسلوك الحيوانات وتطورها وردود أفعالها (خمسة قرود)، وحبسهم في قفص، وعلّق في منتصف القفص حزمة من الموز، ووضع تحتها سُلّماً، لاحظ هذا العالم أن أحد القرود قد حاول أن يمتطي السلم للوصول إلى الموز،وهو تصرف متوقع، فأطلق هذا العالم على باقي القرود الأربعة رشاشاً من الماء الساخن،فلسعتها شدة سخونة الماء، وبعد قليل ارتقى قرد آخر السلم للوصول إلى الموز كما فعل رفيقه من قبل، وقام العالِم مرة أخرى برش الماء الساخن على بقية القرود، وكرر ذات الفعل - أي رش باقي القرود بالماء الساخن - كلما حاول أي قرد منهم أن يعتلي السلم نحو الموز.
وبعد عدة مرات من هذا الفعل شاهد هذا العالم سلوكا غريبا من هذه القرود تمثل في أنه كلما حاول قرد منها أن يكرر عملية الوصول إلى الموز تنهال عليه باقي القرود بالضرب وتمنعه بالقوة من ذلك، خشية من شدة سخونة الماء.
بعد ذلك قرر هذا العالم أن يبعد رشاش الماء الساخن عن القرود، وأخرج أحد القرود الموجودة في القفص واستبدله بقردٍ آخر لم يعاصر حادثة الماء الساخن، وكان طبيعياً أن يبادر هذا القرد الجديد إلى الوصول إلى الموز، ولكن باقي القردة انهالت عليه ضربا ومنعته من ذلك خوفا من رشاش الماء الساخن، الذي يلسع ظهورها، والذي لم يعد له وجود الآن،دون أن يعرف هذا القرد الجديد سبب منعه من الوصول للموز المتدلي أمامه.
وبعد ذلك استبدل العالم قردا آخر من القرود التي عانت من حادثة الماء الساخن وأتى بقردٍ جديد آخر لم يعاصر تلك الواقعة، وبالفعل قام هذا القرد الجديد بذات المحاولة للوصول إلى الموز قبل أن تنهال عليه باقي القرود ضربا، كما كان متوقعا، ومنعته من الوصول للموز، كما فعلت من قبل، ولكن هذه المرة اشترك معها بالضرب والمنع القرد الجديد السابق الذي لم يعاصر حادثة الماء الساخن.
واستمر هذا العالم يغيّر كل القرود التي عاصرت واقعة الماء الساخن حتى تم استبدالها جميعا بقرود (جيل جديد) لم تعاصر
حادثة الماء الساخن، وأصبح القفص يحوي قرودا جديدة، ومع ذلك بقيت هذه القرود الجديدة تمنع بعضها البعض من الوصول
إلى الموز دون أن تعرف لماذا تسلك هذا التصرف المقلد حيال نفسها.
ومن حينها قرر هذا العالِم أن يطلق على هذا الاستنتاج نظرية القرود الخمسة. (إياك أعني واسمعي يا جارة).
من المؤكد أن ثمة تشابها بين كثير من تصرفات وسلوك وردود أفعال الإنسان والقرود.. دعك من نظرية (داروين) المثيرة
للجدل (نظرية النشوء والارتقاء)، وما نظرية القرود الخمسة إلا دليل على ذلك التشابه، وخصوصا في خصلة الغباء والتقليد الأعمى، دون أن يسأل الواحد نفسه هل ما فعله الأول لا بد أن أفعله أنا، أم أن في الأمر تفصيلا وتغييرا؟. ودون أن يسأل
الواحد نفسه أيضا لماذا أعمل هذا ولماذا لا أعمل هذا؟، هل أفكر بعقلي أم بعقل غيري؟.
في هذا الوطن المنكوب (الجنوب) توجد كثير من هذه التصرفات والسلوكيات المثيرة للدهشة والقرف، فتجد هناك من هو أسير لماضيه المثقل بكل البلاء والبلايا، ولا يتجاسر على اقتحام أسوار التغيير والتجديد، ولا يمنح العقل فرصة ومكانا، كما تجد من هو أسير لحزبه ومكونه وحتى لقبيلته ماضيا وحاضراً، فتجده يمثل قبح الإمّعة والرتابة بأوضح صورها وتجلياتها، يعارض على طول الخط، ويوافق على طول الخط، بحسب نوع الإشارة القادمة له من هناك، يتشدد خلف رأيه ورأي جماعته، ويتمترس وراء جهويته وحميّة جاهلية عصبيته الأولى، لا أصل ثابت ولا فرع نابت، لا يقيم للعقل وزناً، ولا لمنطق وناموس الحياة المتغير أي اعتبار، يوزع الشكوك يمنة ويسرة، ويفرق التخوين والتهم في الجهات الأربع.
حكمة: “العتاب صابونة القلوب”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى