أفضل كريم للجلد على الإطلاق

> «الأيام» متابعات:

> اسأل أي شخص عدا والدين فخورين، وسيقول لك إن الظهور الأول للطفل في هذا العالم عادةً لا يكون منظرًا جميلًا؛ إذ يكون مغطى بكل أنواع سوائل الجسم وبمعجون أبيض لزج يسمى «الطلاء الجبني»، فتكون أولى لحظات الطفل المهمة في هذا العالم مقززة إلى حد ما.
إلا أن مارتي فيشر — المدير التنفيذي بمعهد علوم الجلد بالمركز الطبي لمستشفى سينسيناتي للأطفال بأوهايو — تقول إن الأطفال تأتي لهذا العالم مغطاة بذهب سائل. فهذا الطلاء الجبني الذي تمسحه القابلات قبل مناولة الأم الجديدة قرة عينها ذا البشرة الوردية، ربما يكون أفضل كريم للجلد يضعه الطفل على الإطلاق. فهو لم يحمِ جلد الطفل من التعرض الدائم للماء فحسب في رحم أمه، بل أبقاه رطبًا، ومتوازن الحموضة، وربما حتى أعده لمقاومة العدوى والتضرر استعدادًا للولادة.
تقول فيشر التي اختبرت الأمر بنفسها: «إذا أخذت بعضًا منه ووضعته على جلدك، فإن ملمسه يشبه كثيرًا ملمس الجلد. فليس به الملمس الدهني اللزج لكريمات الترطيب.» والآن تأْمل هي وزملاؤها في محاكاة الطبيعة بتطوير نسخة اصطناعية يعتقدون أنها قد تساعد الأطفال المبتسرين الذين لم يكتمل نمو جلدهم بعد. يمكن للطلاء الجبني أيضًا أن يقدم أفضل تركيبة ناجحة لكريمات جديدة ضد الطفح الجلدي الناتج عن الحفاضات، وللمستحضرات العلاجية لمن يعانون من أمراض جلدية مثل الإكزيما والصدفية. بل وربما يقدم أفضل كريم مرطب على الإطلاق.
ظل فريق سينسيناتي يحاول لأكثر من ١٠ سنوات معرفة تركيب الطلاء الجبني وكيفية تفاعله مع الجلد. وما توصلوا إليه هم وآخرون يبدد فكرة أن الطلاء الجبني هو مجرد مادة لزجة دهنية غير معقدة في تركيبتها وليس بها مميزات خاصة.
بداية فإن للطلاء الجبني تركيبًا فريدًا؛ إذ يحتوي على ٨٠ في المائة ماء، و١٠ في المائة شحمًا و١٠ في المائة بروتينًا. وهذا المحتوى من الماء يفوق كثيرًا مراهم الأطفال. على سبيل المثال، أظهرت دراسة نشرها في عام ٢٠٠٠ فريق بقيادة ستيفن هوث — المدير الطبي بمعهد سينسيناتي — أن المراهم التي يشيع استخدامها للأطفال الرضع مثل الفازلين و«يوسيرين» و«أكوافور»، تحتوي على الماء بنسبة تتراوح من صفر إلى ١٧ في المائة.
إلا أن فريق هوث كشف أيضًا السر الحقيقي وراء خصائص الطلاء الجبني؛ كيف يستطيع الاحتفاظ بهذا الكم من الماء. فمعظم الماء يوجد داخل خلايا للجلد مكيفة خصوصًا تسمى خلايا الطبقة القرنية الجنينية. وفي تجارب لم تُنشر عرَّض فريق فيشر هذه الخلايا لمستويات متفاوتة من الرطوبة واكتشفوا أنها تمتص الماء عندما تكون الرطوبة مرتفعة وتفرزه عندما تنخفض. ويميل هوث إلى اعتبار الطلاء الجبني لدى الجنين مادة ذكية تتعامل بعناية مع حالة جلده الذي ينمو.
لا تتوقف الخصائص الفريدة للطلاء الجبني عند هذا الحد. فقد اكتشف فريق هوث أنه يحتوي أيضًا على مستويات مرتفعة من فيتامين ﻫ، وهو مضاد فعال للأكسدة، ويشير الفريق إلى أنه ربما يساعد هذا جلد المولود الجديد على التكيف مع عوامل الضغط مثل الأكسجين والملوثات والأشعة فوق البنفسجية. وتشير بعض الدراسات إلى أن الطلاء الجبني يعمل أيضًا كحاجز مضاد للميكروبات؛ لأنه يحتوي على بروتينات تلتصق بالبكتيريا والفيروسات والفطريات.
وتتوالى تدريجيًّا الاكتشافات أيضًا التي تشير إلى الدور الذي يلعبه الطلاء الجبني خلال نمو الجنين. يقول هوث: «هناك بعض العمليات البيولوجية المعقدة التي تحدث قبل ولادة الطفل يكون الطلاء الجبني محورها.» عندما يكون الجنين بين أسبوعه الخامس والعشرين والسادس والعشرين من الحمل (تستغرق فترة الحمل الكاملة ٣٨ أسبوعًا)، تبدأ الغدد الدهنية في الجلد في إفراز هذا الطلاء الجبني، الذي يخرج عبر بصيلات الشعر. في هذا الوقت أيضًا تتكون الطبقة الأخيرة من الجلد، التي يطلق عليها «الطبقة القرنية» ويعتبر التوقيت هنا مهمًّا للغاية؛ لأن هذه الطبقة العلوية من الجلد تحتاج إلى بيئة جافة حتى يكتمل نموها، ربما يوفر لها الطلاء الجبني مثل هذه البيئة من خلال تكوين حاجز واقٍ على جلد الجنين غير مكتمل النمو يبعد الماء عنه.
لكن ماذا عن الأطفال المبتسرين الذين لم تتح لهم فرصة إفراز الطلاء الجبني؟ بفضل التطورات في العناية المركزة لحديثي الولادة يمكن للأطفال الذين يولدون في الأسبوع الثالث والعشرين البقاء على قيد الحياة (انظر الرسم البياني). إلا أنه في الأطفال المبتسرين لا يتسع الوقت لظهور الطلاء الجبني؛ لذا يفتقرون إلى الطبقات العليا من الجلد مما يمثل تحديًا هائلًا للأطباء. يقول كريستوف بورر — أخصائي حديثي الولادة بمركز شاريتيه الطبي في برلين بألمانيا — إن طبقة الجلد لدى هؤلاء الأطفال تكون رقيقة للغاية لدرجة أن مجرد وضع شريط لاصق جراحي عليها يمكن أن يؤذيها. ويضيف بورر إن جلد هؤلاء الأطفال يكون شفافًا ويشبه الهلام تقريبًا في قوامه، وملمسه أقرب إلى جلد الضفدع. إن الطفل الذي يولد بسطح جلد غير مكتمل النمو يعاني من مشكلات في التحكم في درجة حرارة الجسم ويفتقر إلى الوقاية من فقدان الماء. ولأن الميكروبات باستطاعتها اختراق هذا الجلد الرقيق غير الحصين، تعتبر العدوى الميكروبية سببًا شائعًا في وفاة الأطفال المولودين قبل موعدهم بفترة طويلة. يقول بورر: «إن أعداد الأطفال المبتسرين الأحياء تقل كل عام، والعضو المسئول عن هذا هو الجلد».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى