ميناء عدن.. والجندي المجهول

> عامر علي سلام:

> قد يتساءل السائل عن المفارقة العجيبة بين مفردتي عنوان المقالة التي أمامه، والتي جمعت مكانين لا رابط بينهما سوى المكان أو المدينة التي تجمعهما، فيقول ما علاقة ميناء عدن التاريخي والجندي المجهول أو ضريح الجندي المجهول؟!، سوى أنهما في مدينة عدن ويلتقيان في خليج واحد هو خليج عدن، ويتجاوران في مدينة التواهي، إلا أنني تذكرت ضريح الجندي المجهول، وكيف كانت تقام فيه زيارة وضع الأكاليل الوردية في حفل رسمي قيادي يحضره رئيس الدولة كل عام بمناسبة يوم الشهداء (11 فبراير)، وكنت أظن في طفولتي أن هذا الضريح هو رمز للشهيد الذي قتل في المعركة ولم يعرف بين الجند القتلى، لذا سمي بالجندي المجهول، وتذكرت في زمن ماض في منتصف السبعينات تقريبا كيف حضر الرئيس الألماني (الشرقي) بالو شنزي لافتتاح مطاحن الغلال (الدقيق) القلوعة، وضمن البروتوكول أيضا، ليضع أكليل الزهور على ضريح الجندي المجهول في التواهي في (حديقة فيكتوريا الآن)، وكيف انهالت عليه الغربان وبشكل ملفت وعجيب وبجانبه الرئيس اليمني.. لا أذكر من كان يرافقه حينها من مجلس الرئاسة (بالسلح) على الأكتاف والرؤوس!.
هذه المفارقة بين ميناء تاريخي مشهور بموقعه الاستراتيجي وبين ضريح الجندي المجهول في عدن تتشابه كثيرا، لأنني حتى الأمس القريب قبل حوالي عشر سنوات قرأت أن هناك معرض دولي لمؤانئ العالم يقام بين الحين والآخر لازال فيه جناح خاص مسّجل عليه (ميناء عدن) إشارة إلى ميناء عدن، وفيه نبذة تاريخية تعرض عن ميناء عدن في أوّج ازدهاره في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، ومعدل السفن التي كانت تنتظر في خليج عدن يوميا، والتي كان يحسب لدخولها الميناء بالدقيقة لنقل البضائع والتموين الخاص بالزيوت وما تحتاجه السفن، بل ومنذ أن كانت السفن لا تسير إلا بالفحم الحجري، وكانت هناك في عاجوره (التواهي) مخازن للفحم الحجري وخزانات المياه (كما حدثني أبي عن ذلك)، وقبل أيام قلائل طالعت الصحف والتلفاز خبر زيارة أضخم سفينة (لميناء عدن) وكيف تم التطرق لها وزيارتها للميناء وبحضور مسئولين في الميناء والمحافظه والتهريج لها ولحضورها!، فالتفت صبيحة اليوم الثاني وأنا أمر من قرب ضريح الجندي المجهول، عفوا بقايا الجدار منه في الجهة الأخرى، وتذكرت ما سبق وأن تذكرت من زيارة الرئيس الألماني له في مكانه السابق وزيارة السفينة الضخمة لميناء عدن، وخلقت في ذاكرتي مفارقة عجيبة مدهشة للزيارتين، وكيف أصبح ضريح الجندي المجهول مجهولا بدون ذكر يذكر!، وكيف أصبح ميناء عدن بسمعته التاريخية ومكانته وموقعه الاستراتيجي لا يذكر!، وهو الذي كانت سفن الدنيا تنتظر قبالة سواحله وأرصفته في المعلا، التواهي، البريقة بالدوّر، ويحسب لها التوقيت بالدقائق قبل الساعات، وكيف كنا نرى أباءنا في هذه المدينة كلها يعملون في الميناء وفي شركات مختلفة لها أسماؤها العالمية، وبنيت لهم المنازل بأسماء شركاتهم مثلا في القلوعة بالذات فهذه (بيوت البوتراس) وتلك (منازل كالتكس) وهذه (بيوت عمال بي بي) وهناك (كامب عمال المرفأ) الذين يعملون بفرق بشكل متواصل حتى بداية الثمانينات، وكانت المقاهي منذ صلاة الفجر تمتلئ بعمال الميناء والمرفأ التي تأتي السيارات لتأخذهم أحيانا من بيوتهم لقدوم السفن المتواصل ويكثر معها (الاوفر تايم) الإضافي إلى جانب الراتب، وكانت قصة ساكني عدن وأهلها الطيبين مرتبطة بالميناء والتجارة فيها ورائحة البحر ورزق المرافئ وحكايات السفن.
واليوم أصبح ميناء عدن الجندي المجهول! الذي نحاول أن نلمّع ضريحه بالزهور ونفرح أن زاره ضيف! إلا أن الغربان لازالت بصوتها وفسادها تنعق بالصراخ (غاغ/غاغ/غاغ)!.
فما أشبه النقيضين!، وما أسخف التشبيه الذي لم أكن أريد أن أضعه أمام القارئ الكريم!، إلا أن الوضع الذي آل إليه ميناء عدن وهجرة السفن منه لعدة عوامل تحتاج لدراسة اقتصادية أكاديمية تكشف فيها الفساد والإهمال ومحاربة هذا الصرح الاقتصادي العالمي وموقعه الذي صاغ لمدينة عدن تاريخها فجنى عليها ووضع اسمها فنارا بين فنارات الدنيا، فأهمية موقعها الاستراتيجي على طريق الملاحة وقربها بـ (70 ميلا) بحريا كان محل اهتمام الغزاة بها منذ القدم وجعلها محط أنظار واستعمار لها، والتي يؤسف عليها اليوم وما آلت إليه، وأصبح ميناء عدن ضريحا مجهولا في بوابة اليمن للعالم!!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى