هشام باشراحيل.. عاش مناضلاً حراً ومات بطلاً شهيداً

> علي محمد السليماني:

> لم يكن هشام مجرد ناشر أو رئيس تحرير (صحيفة)، ولم يكن رجلاً يعيش لنفسه وأسرته ومحيطه الصغير، بل كان رجلا يعيش هموم وتطلعات وطنه وشعبه، يعيش آمال شعب جار عليه الزمن وطالت عليه الليالي الحالكات، هشام أخذ على عاتقه وعاتق (صحيفته) مناصرة قضايا الوطن وهموم الشعب فيه، وتوسعت (صحيفته) وزادت شعبيتها وأصبحت جزءا من قوت الناس وملاذا آمنا يلجأ إليه أصحاب الهموم.. وانحاز باريحيته هشام إلى تلك الجموع المهضومة في الجنوب إلى حد كبير وفي الشمال أيضاً .. ولم يهل علينا عام 2001م إلا وهشام يمثل في اليوم أمام قاضيين من قضاة النظام، وكنا نتعب نحن محبيه ومحبي "الأيام" من مجرد الحضور للمناصرة والتأييد لهشام ولـ "الأيام" وكتابها .. وفي صبيحة يوم ربيعي من 27 مارس 2001م كانت هناك جلسة محاكمة لـ "هشام" حضرت أنا وزميلي الأستاذ نجيب يابلي إلى العمل مبكرين، وبعد إنجاز بعض الأوراق في مكتبينا خرجنا إلى الشارع مسرعين لحضور جلسة المحكمة، وكان الجو ربيعياً رائعاً لا ينقصه غير الشعور بالأمن والأمان وتوفر القليل من الحياة الحرة الكريمة .. ونحن نسير على الأقدام من البنك باتجاه المحكمة قلت لزميلي اليوم المحكمة ستأجل جلستها وربما يلغون المحاكمات الكيدية الكثيرة ضد هشام وضد "الأيام"، فقال كيف استنتجت ذلك، فقلت له اليوم 27 مارس 2001م تبدأ أعمال القمة العربية الدورية أعمالها في العاصمة الأردنية عمان، وهذه القمة ستناقش مختلف القضايا بما فيها الداخلية لبعض الأقطار العربية على غير عادة الجامعة العربية وهي السكوت المتبادل، وفعلا وصلنا إلى المحكمة ودلفنا إلى قاعتها وحضر الراحل هشام رحمه الله، وماهي إلا دقائق حتى جاء أمين السر ليقول للحاضرين إن القاضي اليوم لن يحضر، وغادرنا المحكمة لنصعد إلى سيارة الراحل (صالون سوزوكي) هشام إلى جانب نجله محمد، وفي المقعد الخلفي الأستاذان سعيد الجريك ونجيب يابلي وشاب قريب للراحل والعبد الله مسود هذه السطور .. لتتجه السيارة بإشارة من هشام إلى مخبازة صيرة، وبعد ذلك الانتقال إلى دار "الأيام"، حيث ترجل الفارس هشام بينما واصل محمد قيادة السيارة بنا إلى مقر عملنا اليابلي وأنا.
وهدأت القضايا نسبيا حتى عادت بقوة في العام 2007م، مع بروز الحراك الجنوبي وزيادة القتل والعنف الذي تمارسه القوات ضد المحتجين الجنوبيين، وكعادته انحاز الرجل إلى أبناء جلدته في رفض الظلم والقتل، وناله في سبيل ذلك ما ناله من حصار وعدوان بدأ في منتصف يونيو 2008م على داره ومكتب صحيفته في صنعاء واعتقال حارسه (المرقشي) بتهمة بريء منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب .. ثم واصلوا العدوان عليه في عقر داره بكريتر فلا شيء مصان ومحفوظ للجنوبيين جميعنا شاهدنا العنف، سمعنا دوي الانفجارات للقذائف التي تم إحراق بها منزل هشام وتمام وصحيفة "الأيام"، كلنا شممنا رائحة الغازات المسيلة للدموع، بل وشممنا رائحة البارود المنبعث من قوات انعدمت في نفوسها الرحمة وقيم العدل والخير، وكلنا مرضنا منها، فكيف بالأطفال وكيف بالنساء وكيف بـ "هشام" المريض بعدة أمراض، وكيف بـ" تمام "، وهم أبناء عدن السلام أبناء النظام والقانون اللذين كانا سائدين، فانتزعته العصابات التي تخالفت على حكم المدينة دونما وجه حق يعطيها ذلك الحكم، وصبر هشام محتسبا أجره عند القادر القهار جبار السماوات، وسمع ورأى كيف كان عدل الله وكيف كان انتقامه من الظالمين، ليلقى ربه بطلا في ألمانيا التي عاد منها جثمانه الطاهر لتستقبله جموع الشعب العظيم من كل أرجاء الوطن المقهور، في صفوف طويلة احتشدت منذ الصباح من مطار عدن الدولي إلى دار "الأيام" وإلى مقبره القطيع، حيث تم مواراة جثمانه الطاهر الثرى بجوار والده ووالدته ـ رحمهم الله جميعا ـ في حزن مهيب خيم على الشعب، رجال ونساء وشيوخ وأطفال، بكته السماء وبكته البشر وبكته عدن وبكته وما زالت تبكيه أسرته.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى