الشعب يُعيد إنتاج النظام

> حسام سلطان:

> لعل من محاسن ما يسمى بثورات الربيع العربي بالإضافة إلى أنها خلعت مجموعة من عتاة الحكام العرب، فهي قد كشفت عورات الشعوب العربية نفسها، فالشعوب التي خرجت بمئات الآلاف تنادي وتصرخ “الشعب يريد إسقاط النظام” خرجت وبتلقائية شديدة ولسان حالها يقول بأن الشعب نفسه يعيد إنتاج النظام الذي أراد اسقاطه.
هذا الغياب الحقيقي للوعي له أسباب كثيرة، ففي اعتقادي الشعوب العربية مثلها مثل باقي شعوب الأرض تطمح إلى الحرية
والعدالة والمساواة والرحمة والمحاسبة، ولكن الوسائل التي توصلها إلى تحقيق هذا الطموح غير متوفرة. فالجماعات الإسلامية عالقة في غياهب فقه القرون الوسطى ولم تحسم أمرها بعد من حيث هل الشورى ملزمة أم لا، وإذا كانت الديمقراطية متوافقة مع مقاصد الشريعة أم متعارضة معها، وباقي الأحزاب والنخب المثقفة هي إما في حالة صراع مع الجماعات الإسلامية المختلفة أو تعاني من ضعف وتفكك أو نفضت يدها من إمكانية الإصلاح الذاتي على المدى المنظور.
أما منبع حالة اللاوعي في اعتقادي فهو النظام التعليمي الذي يبدأ في مرحلة عمرية مبكرة، ويعتمد اعتماداً كلياً على التلقين والحفظ والاسترجاع وعلى والإيمان بالمسلمات وعدم النقاش، فالطالب الشاطر هو الذي يستطيع إحراز أعلى الدرجات في الامتحان النهائي وليس الطالب الذي يتم تقييم مستواه الفكري والإبداعي على مدار العام في كل مراحل الدراسة، والطالب الذي يتحصل على أعلى الدرجات في امتحان الثانوية العامة للحفظ والاسترجاع فهو لا بد أن يلتحق بكلية الطب أو كلية الهندسة، أما الطالب الذي يتحصل على أدنى الدرجات فلن تقبله سوى كليات التربية أو الشريعة أو الآداب أو الشرطة، ليتخرج بعدها مدرساً أو فقيهاً أو كاتباً أو صحفياً إن كانت عنده ملكة للكتابة وقدرة على التعبير أو ظابطاً في الشرطة (يطلب الله).
النظام التعليمي هو منبع الفساد ومنبع الجهل ومنبع حالة اللاوعي التي نعيش فيها وهو أيضاً منبع الإرهاب الأصلي، قبل المنشورات والكتب والمواقع المتطرفة وخطب الشيخ فلان والشيخ فلتان، النظام التعليمي ينتج اجيالاً من العاطلين المحبطين الغاضبين الذين وجدوا في حنايا التطرف الديني والتطرف اللا ديني ملاذات آمنة ومعيناً على مقادير هذه الدنيا الفانية، فـ“لا عيش إلا عيش الآخرة”.
سيظل العالم العربي في حالة غليان وتخبط، مرة لإسقاط النظام ومرة لإعادة إنتاج نفس النظام، حتى تنهار معابد الفساد ويأتي جيل آخر جديد يحظى بنظام تعليمي أفضل يتفاعل مع ملكات وإبداعات الأطفال والشباب ويحترم ويقدس العقل الذي وهبه الله لنا هدية كبرى للخروج من الظلمات إلى النور.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى