عتاب إلى كل الرجال .. عدن المسافرة

> علي عمر الهيج:

> عدن أرض المحبة والسلام .. هي أرض الله الذي منحها الهدؤ والسكينة والارستقراطية طوال تلك الأعوام الغابرة..عدن لم تبخل يوماً على الناس.. سقتهم الأمن والأمان والوفاء.. كانت عدن تتدلل بجمالها الساحر الأخاذ الذي يبهج ويسر الناظرين.. خدشها حياؤها وكرمها أن تشيع بين الناس دنيا الاغتراب والتفرقة فمدت أذرعها لتحضن القاطنين والوافدين والمسافرين وفتحت لهم شواطئها وبحارها العتيقة ليلتقي عند شروقها وغروبها المحبون والعاشقون والشعراء والمبدعون والسياسيون.. هي أرض الإسلام والإيمان تبرأت من الإرهاب وسفك الدماء وإشاعة القتل وتدمير الإنسان .
كانت عدن تزهو بثوبها الأنيق.. تكسوه ألوان الصفاء فيحتاط بها الناس دوائر وجماعات ينشرون أغنيات الفرح وليال السهر و بهجة الاحتفال.
عدن تلك البقعة الآمنة التي آثرها الرجال الصالحون والسادة الأتقياء الذين كانت وجوههم تشع كالبدر في كبد السماء.. أولئك الأفاضل أحيوا و أضأوا المساجد بتلاوة القرآن والصلوات، وكانت المآذن الخاشعة ترنو بالأذان والدعوات فيهرول الناس خاشعين نحو المساجد يحيوا مجالس الذكر والعلم والوعظ.. كانت عدن معقلاً وصرحاً كبيراً للفكر والعلماء والمفكرين والتجار.
عدن كانت بلاد النظافة والرومانسية والبحار الساحرة في زمن مضى.. كانت عدن تتمخطر أنيقة.. تفوح منها رائحة المسك والبخور والتوابل .. وفي شوارعها العتيقة كان الناس يمشون ويتنفسون هواءً نقياً ونظيفاً خال من الكلسترول والسكر والحموضة والضغط والانهيار العصبي.. كانت عدن آية للجمال والانضباط الآدمي .. ذات مساء صيفي حار، وظلام دامس يلف المدينة، وانقطاع للكهرباء والمياه، وشلل دامس يلف المدينة، وبعوض يلسع الأبدان، وأصوات (مواطير) وقاطرات ليلية (وطماش) ورصاص وبلطجة وهرج ومرج واختناق واسع للنفوس والأفئدة، خرجت من منزلي المقابل للساحل وجلست على البحر و ألقيت نظره واسعة تجاه المحيط العربي فرأيت أمامي وجه عدن الشاحب المحطم تفوح منه رائحة الخراب والفوضى.
عند كل هذا التراجع الفاضح في البناء والعمران، وتدهور مستويات النما والارتقاء، وتعطيل الحياة وتدمير الإنسان والقيم.. عندما ترى أن أرضك أصبحت خراب تئن صباحاً ومساءً والناس يلهثون (طوابير طوابير) من أجل الرغيف والدواء والبترول والديزل..عندما يتعذر عليك أن تنام هانئاً في منزلك وتستيقظ كيفما تشاء.. عندما تعيقك الدولة أن تملا خزان سيارتك كما تحب، وعندما تقف لك الدولة نداّ وخصماً عنيداً وتمنع عنك الحياة الكريمة.. عند كل هذا ماذا يقول العقل؟!.. عندما ينام نفر قليل في السلطة وهم براحة البال هانئين، بينما هناك ملايين ترزح وتتخبط في الطرقات والأراضي عند كل هذا ماذا يقول العقل وضمير المسؤولية؟! لا يوجد غير جواب واحد وهو أن المسؤول يدرك إدراكا كاملا بهذا العبث، ومقتنع اقتناعاً كاملاً أنه لا يعمل الصواب ولا يسير على الصراط المستقيم، وفي هذا انحطاط خلقي وسقوط آدمي مريع.. مسؤول يرى كل هذا التراجع المخيف والفوضى ولا يتحرك ضميره لإيقاف هذا العبث .. أو الاستقالة.
عدن أصبحت خراب .. هذه التي قالوا عنها العاصمة الاقتصادية والتجارية.. اللهم فاشهد.
أطلت النظر على الساحل.. وفجأة صحوت على صوت أطفال يصرخون (ايييه لصو)! وعدت إلى منزلي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى