الطويلة وثلاث ساعات حرب

> عبد القوي الأشول:

> لا أدري لماذا جرت الأمور في هذا الصباح الحار على هذا النحو، كل شيء بدا معكرا تحت سطوة الأجواء الحارة الملبدة سماؤها بالأتربة، وفي المقربة من تجمعات شتى تقع قاعات الامتحانات لامتحان الصف التاسع حدث لا يستدعي كل هذه الحشود من العسكر والمغششين والآباء ممن يقضون فرص تغشيش أولادهم كما لو أنها فرج جاء من السماء لتمنحهم فرص تدعيم تجهيل أبنائهم، وما أن اكتمل مشهد الحشد حتى انطلقت أول الرصاصات ثم توالت زخات المقذوفات النارية في أنحاء المكان، أصيب من أصيب وقتل من قتل، لم تعد حالة القتل تحدث هرجاً ومرجاً وربما خوفاً بسبب تلاوينها الناجعة التي تملأ فضاء الأمكنة.. في حينه لم نكن نسمع فيها دوي طلق ناري واحد فقد تبدل كل شيء، فحين يسعى الآباء جاهدين إلى أن يكونوا عوناً لأبنائهم في مسرحية الفشل الهزيلة التي ألغت التعليم بل ألغت المجتمع بأسره لم نعد نراه على شيء بالمطلق طالما ومصائبنا الأليمة أفدت إلى واحد من جوانب الحياة الأساسية، أعني التعليم، في حمى الغش التي اجتاحت مدارسنا، بدت ظاهرة عادية للغاية ويجري التعامل معها كجزء من العملية التعليمية ذاتها.. أي مصاب هذا الذي أردى بآمالنا وتطلعاتنا كمجتمع بشري نحو غد أفضل؟
الشعوب اعتمدت نهضتها على قاعدة التعليم، فكيف بمجتمع بشري يعتمد نهضته على الغش.
لم تكن صباحات الطويلة ورائحة زخات البارود منقطعة عن كل ما يجري في محيطنا الاجتماعي بصفة عامة الذي طال كل شيء يبدد نسفاً حياتياً في مجتمعاتنا اليائسة .. لم تكن معركة الطويلة التي امتدت لثلاث ساعات أو ما يزيد سوى شذرا من جبل جليدي في طريقه للتفسخ بنشر فيضاناته العارمة.. هكذا عند هذا الصباح الذي تأهب فيه طلابنا لأداء الامتحان تحول كل شيء إلى فوضى ودوي قاذفات نارية ودموع حسرة كثير من الأسر التي أيقنت أنها تشيع ما بقي لدينا من قيم في هذه الأوقات العصبية التي يختلط فيها الحابل بالنابل وتمارس لعبة إزهاق الأرواح بكل ما تحمله من وقع.
هكذا تتبدد أحلام من لا زالوا يحلمون بالأمان والطمأنينة وسيادة القانون، ويجدون ذاتهم في معمعة الأفعال العدوانية التي لا مبرر لها سوى أنها حالة استمراء غريبة ومشينة وممارسات عمل روتينية.
ما زالت إشراقة الموت فاتحة فمها في كل حدب وصوب تنذر بكوارث اجتماعية يصعب كبحها لأنها تجري بدون أدنى سبب عدا أنها تحصد الأرواح وتنشر الحزن والألم وتيتم الأطفال.
فهل ندلف من هذه البوابة إلى المستقبل، هل نتجاوز عقبة الامتحان ببراشيم الغش، فعن أي مستقبل تتحدثون؟ ومن أين يمكنكم البدء في ملحمة شتات مجتمع تحاصره كل هذه الانهيارات دون رحمة.
من أية ناحية يمكننا أن نستمد العزم والقدرات البشرية في بناء مستقبل جديد إذا كانت حالة التردي العارم التي استهدفت التعليم هي السائدة والمتسيدة.
ليست الطويلة وعدن ومدارسها المحاصرة بكل هذه الطلقات النارية إلا نموذجا، وليست دماء تسفك بالقرب من مركز امتحان أو في أزقة الشوارع المجاورة إلا جزءا من حالة خطف للأرواح تجري كل لحظة.
لا.. بل إن كل ما يجري هو نتاج لحالة غش عارمة بنيت على أساسها الأشياء كما لو أنها ظاهرة مجتمعية مرتبطة بحالة الطوفان الاجتماعي و هكذا كانت الحسابات المسبقة.
وقبل أن أنتهي من كتابة موضوعي هذا سألت نفسي من نخاطب في الحال الذي يعطي ذاتي قدراً من الألم واليأس لأننا في ردهان زمن لا يرحم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى