هشام شموخ في الحياة والممات

> محمود علي الحاج:

> أحس أن ثمة دينٍ يثقل كاهلي، وينوء به ضميري تجاه صديق عزيز، بل كان من أعز أصدقائي القلائل الذين يرتقون إلى مصاف الأخوة من خلال حميمية العلاقة ونقائها .. ذلكم هو الراحل هشام باشراحيل طيب الله ثراه، الذي أكتب عنه هنا محاولاً التخفف من تقصير اعترف به متمثلاً في عدم الكتابة عنه إثر وفاته مباشرة .. الحق أنني لم أكتب لأن «الأيام» كانت موقوفة نتيجة الاعتداء المسلح الغاشم على مكتب، ومسكن أسرة الصحيفة، ولأنني لم أجد الصحيفة التي تتوافق مع اتجاهي في الكتابة، أو تلك التي تتخذ نفس الموقف وذات النهج الذي سارت عليه «الأيام» منذ المؤسس أستاذنا الكبير أبو هشام -رحمة الله عليه- إن الحزن ما برح يتملكني، وكأنه ودعنا البارحة وليس قبل عامين، أكاد أرى هشاماً منتصباً أمامي بقامته الفارعة الشامخة، وأنا الملم كلماتي المتواضعة في حق رجل ليس كسائر الرجال، وما أنفك صوته الهادر يقرع مسمعي ومخترقاً جدار صمتي، وفيه أو على مثله يصح القول، لقد كان هشام ملء السمع والبصر ..!
عرفته عن قرب عندما تزاملنا معا في مجلة "الجندي" التي كنت أشرف على تحريرها في مطلع السبعينات قبل أن أعود للعمل في (14 اكتوبر)، وكان هو يتولى الإشراف على مطابعها التي كانت خاصة بالأيام، واشترتها وزارة الدفاع، وكان المرحوم يتولى أيضاً تدريب العمال على تنفيذ الطباعة، وصيانة الآلات، وكانت تلك الهممة من ضمن شروط بيع وشراء الآلات الطباعية على إثر إيقاف صدور الصحف الخاصة كواحد من قرارات ما بعد الاستقلال .. غمرني بدماثة خلقه وطيبته، أيضاً بجميل استمرار مبادرته بتوصيلي بسيارته الفوكس واجن إلى الشيخ عثمان، وما لبث أن انتقل مع كامل الأسرة وعلى رأسها والده الفاضل إلى صنعاء فجمعنا القدر فيها فيما بعد منتصف السبعينات، وعندما انتقلوا إلى مسكنهم الخاص في مطلع الثمانينات كنت من رواد منتدى الباشراحيل الذي كنت أوثره على سواه نظراً لطيبته وتجانس مرتاديه، ووجدت في هشام مزايا نبل في مواقف إنسانية مع من لجأو إليه في قضايا شتى، وكان إلى جانب مواقفه النبيلة مضيافاً وجاذباً للأصدقاء كرجل علاقات، وشخصية اجتماعية مرموقة من قبل أن تعاود «الأيام» صدورها بعد وحدة 1990م، حتى انتقالة أو عودته إلى مسقط رأسة في عدن!
كان حزني على ما وقع للصحيفة ومن عدوان عميقاً، وزاد من حزني وقهري عندما وصل التمادي في الضيم والجبروت إلى درجة اعتقال المرحوم هشام ونجله مما ضاعف من وطأة مرضه وآلامه، وجرى ذلك بإيحاء من الحاكم المستبد السادر في طغيانه وغروره بعد فشله في جعل «الأيام» تغير من خط اتجاهها، وتلحق بصحف حفض الولاء والطاعة، والنفاق مقابل أموال ومكاسب، لكن إصرار وثبات هشام وأسرة «الأيام» جعلهم يكبرون أكثر في نواظر قرائها وفي مشاعر المواطن في عدن والجنوب بالذات!
إيهٍ يا هشام لقد ضعفني خبر وفاتك واحتل مكان الصدارة على أعمدة أحزاننا اليومية التي تأبى مفارقة حياتنا اليومية، وتحتل صدورنا وتفترش مافينا ..!
إيهٍ يا هشام لعله من حسن حظي أن التقيتك في بيتك قبل شهرين من سفرك إلى ألمانيا يومها كنت في عدن زائراً للأهل والأحبة، كان صديقنا معنا (أبو خالد) علي واقص قد سبقني في الاتصال، وتحديد موعد زيارتكم، وهو كعادته سباق لمثل هذه المواقف، وكان في المجيء إليك في الصباح، صعدنا إلى حيث أنت لنصافحك ونعانقك جالساً، فقد أعاقتك جراح في الساق كان الولد النبيل الصالح (باشا) يقوم بمجارحتك بيد حانية، لكم أكبرته حينها .. وبعدها تحدثنا عيناننا تحدثان في شموخ هذا الجسد الذي يستقي الأحزان ويناله الضمور بعد مواجهات للعواصف والخطوب !
أخبرتني إعتزامك إعادة إصدار «الأيام» وسألتني أتشتغل معي؟
- أجبتك طبعاً أشتغل ونص .. ساتقاعد وأعود إلى عدن
سألتني والسكن كيف باتسوي؟
قال الواقص : أبو بسام ناوي يشتري شقة هنا .. (تعانقنا فكان الوداع الأخير .. رحمه الله تغشاك أيها الراحل الغالي)

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى