> محمد بالفخر:

هلّ علينا ونحن في شوق له، شهر مبارك فيه تتنزل البركات وتعم الخيرات، شهر رمضان المبارك.. خير شهور السنة.. فيه ليلة خير من ألف شهر.
يقول الحق سبحانه وتعالى: “شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان” فيه تسكن النفوس بالروحانية، وتحل على القلوب الرحمة وتتضاعف فيه أعمال الخير.. ينتظره المؤمنون بلهفة من ينتظر عزيزا غاب عنه وطال غيابه.
ينتظره من يبغون التجارة مع الله، فيغدقون من الخير على عباد الله ويدخلون السرور على الناس المحتاجين و يتحسسون حاجات الفقير واليتيم والأرملة، فنعم الانتظار، ونعم التجارة،ونعم البشر ببرهم وخيرهم يسعدون قلوبا حزينة، وبكرمهم يؤمّنون أُسرا يخيم عليها هاجس توفير مستلزمات الشهر، خاصة من لديه أطفال ومسؤول عن أسرة كبيرة.
وهناك من ينتظر الشهر الكريم ليحد سيف جشعه وكأنه يظل طوال العام ينتظر قدوم شهر الخير ليمارس هوايته في التضييق على الناس في عيشهم، والخدمات التي تقدم لهم، فنجد تجار السوء يتبارون في رفع الأسعار في ظل تواطؤ من الدولة وإشارة خضراء؛ خاصة أن كثيرا من التجار إما لهم شراكات مع مسؤولين في الدولة، أو أن هناك اتفاقات بدفع إتاوات للمسؤولين لتغمض الدولة عينيها عن أولئك المغالين في قوت الناس والمحاربين للشعب في لقمة العيش وهم يعلمون أن المواطن سيشتري ولو لم يكن قادرا على الشراء، لكنها ثقافة طغت على الناس في هوس الشراء خلال شهر رمضان وكأنه لا بد أن يشترى في هذا الشهر ما لا يشترى في غيره، وهذا سلوك خاطئ درج عليه الكثير من الناس؛ لأنه يشجع التجار على الاحتكار ويزين لهم رفع الأسعار، وكم نحن بحاجة لتغيير كثير من سلوكياتنا في هذا الشهر الذي أكرمنا الله تعالى به لننال من الخيرات، ونحصد المزيد من الطاعات، ونغتنم ساعاته ودقائقه فيما يرضي الله عنا ولا نجعله شهر تكاليف إضافية وأعباء ما أنزل الله بها من سلطان،فرمضان شهر عبادة وطاعة وليس شهرا للجري وراء ما يلذ من مأكل قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى التكاسل عن العبادة بما تثقل به الجسم و تملأ المعدة.
نحن بحاجة لأن نشيع بين الناس ثقافة أن نكتفي من رمضان بما كنا نشتريه في غيره أولا، لأن الأصل في هذا الشهر هو زيادة الطاعات والاستزادة من الحسنات وليس الإكثار من أصناف الطعام، وثانيا لنعمل سويا ضد (تسونامي) الغلاء في الأسعار الذي يعلم الجميع أنها زيادات متعمدة، القصد منها المزيد من المتاعب للناس والأضعاف المضاعفة من الأرباح، ولو جاءت من مشقة فقير أو من تعب ضعيف.
كما يجب أن تتبنى تلك الجمعيات والمؤسسات- التي تخرج أيام الشهر الكريم لتجمع التبرعات لتقديمها للأسر الفقيرة - مشاريع حقوقية للمواطن، تقاضي بموجبها أولئك التجار لتتخذ بحقهم الإجراءات الرادعة فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، ومع مثل هؤلاء لن يجدي النصح ولن تفيد المواعظ.. لن يفيد في حال من تجمدت مشاعر الإنسانية لديه إلا أن يوكل لسوط القانون ويترك ليد الدولة إن وجدت لها يد نظيفة أصلا تحارب بها الابتزاز وتردع بها المخالفين.
فهل نجعل من هذا الشهر الكريم شهر تغيير جذري في كافة مسارات حياتنا لننعم في الدنيا ونفوز بالآخرة؟