الأصـنج .. آخــر عمــالقــة الــمناضلـين

> عبدان دهيس

> رحل المناضل عبدالله عبدالمجيد الأصنج من دنيا الفناء إلى دار البقاء، يوم الأربعاء الماضي، في جدة بالمملكة العربية السعودية، وكم هو مؤلم ومحزن أن يرحل مثل هذا الرجل العملاق، وهو مبعد عن وطنه، قسراً وظلماً، والله إنها لمأساة عظيمة أن يحدث هذا في اليمن، حيث يجبر الإنسان على الخروج من وطنه دون إرادته، خوفاً من البطش والترهيب والتغييب، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله!.
عندما التحقت بالعمل في النقابات بعدن بعد الاستقلال كان اسم المناضل النقابي والوطني البارز عبدالله الأصنج مايزال له صداه في أوساط النقابات والحركة النقابية العمالية، رغم خروجه القسري من عدن إلى الشمال، وتركه للعمل النقابي، مثله مثل بقية رفاقه المناضلين البارزين، الذين كانت أسماؤهم ـ أيضاً ـ تملأ الأوساط النقابية في عدن، وفي الساحة السياسية: محمد سالم باسندوة ومحمد سالم علي والشهيد علي حسين القاضي والزليخي ومحمد سعيد باشرين وعبدالله علي مرشد، وغيرهم الكثير من أساطين العمل النقابي والنقابيين الثائرين، في تلك الفترة الملتهبة، ممن كانوا في الضفة الأخرى من مسيرة النضال الوطني في الجنوب، كان المناضل الأصنج علما بارزا في سماء النقابات وفي العمل الوطني الثوري ضد الاستعمار البريطاني، وفي تسخير كافة إمكانيات النقابات في عدن لدعم ثورة 26 سبتمبر والدفاع عن الجمهورية في الشمال، من خلال حملة التبرعات الواسعة في صفوف العمال والانخراط الطوعي في طلائع الحرس الوطني.
كان الراحل الأصنج رائداً من رواد العمل الوطني ومؤسسيه في الجنوب، وهو من قيادات ومؤسسي (جبهة التحرير/ منظمة التحرير)، ومؤسس حزب الشعب الاشتراكي، الذي كان يمثل الواجهة السياسية للنقابات، مستفيدا في ذلك من تجربة حزب العمال البريطاني، في تلك الحقبة، وكانت له صولات وجولات، في الكتابة في الصحف، التي كانت تصدر في عدن آنذاك، في (العامل) ومن ثم (العمال)، و(الجنوب والبعث واليقظة والنهضة والمستقبل وفتاة الجزيرة والأيام) وغيرها كثير، وكثيراً ما كان يتشابك قلمه المنافح والساخر مع قلم المناضل والكاتب الكبير عبدالله باذيب - مؤسس اتحاد الشعب الديمقراطي (حزب ماركسي)، وكتَّاب آخرين كثيرين، في مجالات واسعة وعديدة، تتعلق بهموم وقضايا الجنوب، ونضال شعبه، من أجل الحرية والاستقلال.
لقد تحمل المناضل الجهبذ عبدالله الأصنج، طوال مسيرة حياته، الكثير من المآسي والعذابات والاعتقالات والمتاعب السياسية وغيرها، سواء خلال مسيرة حياته النضالية - النقابية والسياسية في عدن والجنوب عامة أو في الشمال، التي استقر فيها بعد خروجه من عدن، قبيل الاستقلال، حيث لم يشفع له تاريخه الوطني الطويل ومواقفه السياسية والنقابية الداعمة لثورة سبتمبر والدفاع عن الجمهورية، حينما فبرك له الرئيس السابق صالح وزبانيته في الثمانينات قضية سياسية كيدية، وذهبوا به إلى (المحاكمة الصورية) المخجلة، وكادوا أن يطيحوا برأسه (إعدام) لولا تدخل الأشقاء السعوديين، لكن هذا الرجل العملاق - الذي لايتكرر ولن يتكرر- ظل شامخاً، حتى آخر لحظة في حياته، وسخر كل نضاله وتاريخه وتجاربه ووقته وصحته، حتى وهو في بلاد الاغتراب القسري، من أجل قضية الجنوب وشعب الجنوب، وكم كنا نتمنى أن يموت هذا الرجل العملاق في وطنه وبين أهله وشعبه، وأن يدفن في عدن، هذه المدينة التي ولد وتربى وترعرع وتعلم وعمل فيها، وأحبها حباً لا يضاهى، مثلما أحبته هي وأهلها الطيبون حد الجنون.
لقد كنت - ومازلت ـ شغوفاً كثيراً بكتابات القامة السياسية والنقابية عبدالله الأصنج، فالرجل لديه أسلوب شيق وساخر أيضاً في الكتابة، قلما تجده عند الآخرين من أبناء جيله، وله كتاب جميل بعنوان (دور الحركة النقابية في النضال الوطني) صدر في عام 1991م، لا يمله القارئ مطلقاً، وهو كتاب تاريخي نادر.
لقد قاد الأصنج حينما كان على رأس الحركة النقابية العمالية بعدن إضرابات شهيرة كان لها أبلغ الأثر في تعزيز مكانة النقابات في العمل السياسي الوطني، وبالتالي في تحقيق مطالب العمال والنقابات، ومنها إضرابات مارس في الستينات في (شركة BB - المصافي)، التي استمرت (70 يوماً)، والإضرابات ضد الهجرة الأجنبية، وعندما صدر في 1965م ماعُرف بـ(القانون الصناعي) الذي ينظم عمل العمالة الأجنبية في مستعمرة عدن، وكان الأصنج ـ رحمه الله ـ محاوراً صلباً ولبقاً وعنيداً ونداً نقابياً قوياً أمام سلطات الاحتلال الاستعماري آنذاك، ويحسب له وللنقابات الكثير من الإنجازات التي تحققت لصالح العمال والعمل النقابي، وفي عهده شيد مبنى المؤتمر العمالي الشهير في منطقة المعلا خلف شارع مدرم، وهذا للأمانة والتاريخ.
مهما كتبنا فلن نفي الرجل حقه، فهو قامة كبيرة، وعملاق من كبار عمالقة النضال الوطني التحرري، وقائد عمالي نقابي لا يتكرر، رحم الله فقيدنا وحبيبنا أستاذنا الكبير المناضل الراحل عبدالله عبدالمجيد الأصنج رحمة الأبرار، وأسكنه فسيح الجنان، وأدخله مدخلاً حسناً مع الصديقين والأبرار، إنه على كل شيء قدير، وعزاؤنا الخالص لأبنائه وأسرته ولجميع زملائه ورفاقه ولمدينة عدن الطيبة التي أعطاها جل عمره.. إنا لله وإنا إليه راجعون!.
**عبدان دهيس**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى