ورحــل عنا أبــو مــحمــد

> محمد بالفخر

> غادر دنيانا الفانية قبل أيام الهامة الجنوبية الأستاذ عبدالله عبدالمجيد الأصنج في منفاه بعيدا عن وطنه ومسقط رأسه (عدن) التي ولد فيها وترعرع على ترابها الطاهر ووضع مع غيره اللبنات الأولى لمسيرة التحرر الوطني التي اجتثت جذور الاستعمار البريطاني من أرض الجنوب، وكان جزاؤه كغيره من الأحرار أن تم تشريدهم خارج الوطن بعد أن استحوذ التيار الإقصائي على الجنوب ومقدراته البشرية والمادية وليتهم أحسنوا التعامل معه بل جعلوه سجنا كبيرا وأحاطوه بسور حديدي على مدى 23 عاما ثم أدخلوه بعد ذلك في نفق باب اليمن المظلم، والذي لم تظهر من خلاله أية مؤشرات أو بصيص نور لتلمس طريق الخروج الآمن.
رحم الله الأستاذ عبدالله الأصنج الذي كان لي شرف التعرف عليه في القاهرة في 2011 مع مجموعة من الإخوة، وأشدنا جميعا بما يحمله من هم من أجل الجنوب وقضيته، وقد قال ـ عليه رحمة الله ـ إن من صنع المشكلة ليس جديرا أن يكون من يصنع الحل لها، وأن المتسلقين صهوتها ما هم إلا تجار يريدون استثمارها بطريقة أسوأ مما فعلوه في نهاية ستينيات القرن الماضي، وتجدد اللقاء ثانية عندما شرفني بدعوة كريمة في منزله العامر بمدينة جدة مع مجموعة من الأخوة الأكارم، فحظينا جميعا بكرم الضيافة وسعدنا جميعا بما تحمله تلك العقلية الفذة من أجل الجنوب وقضيته والمخارج الممكنة والحلول والتي لن تتم إلا على أيدي الخيرين من أبنائه، وأما سواهم فلن يزيدوا الأمور إلا تعقيدا فوق ما صنعته أيديهم الملوثة بدماء الأحرار وعقلياتهم التي لم تعرف للحق طريقا فضاعت وأضاعت وطنا وشعبا ظل يحلم كبقية الشعوب أن تكون له مكانة ومقام سامٍ بين الشعوب التي نهضت وتقدمت وثبتت أقدامها في مصاف العزة والمجد والسؤدد.
ومما قاله لنا ـ رحمه الله ـ إننا في 1994 تناسينا ما عانيناه، وحاولنا أن نكون من المساهمين في الخروج من المأزق ومن الحرب الظالمة التي شنت على الجنوب، وإذا من هم في الميدان ممن كانوا أول الهاربين يصيرون الآن أول المناضلين.
ومما قاله أيضا أنه دعي مع غيره لاجتماع في إحدى عواصم الدول الأوروبية في منتصف 2009، وبعد أن التهم الحاضرون مائدة الغداء في نهار رمضان، مطبقين الآية القرآنية: “ومن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر”، فلا حرج عليهم، فقال ـ رحمه الله ـ قلت: نحن في رمضان!!، فقالوا: نحن مسافرون، فقال انتظرتهم حتى ابتلَّت العروق وذهب الظمأ، فخلاصة الهدف من اللقاء أن يذهب مجموعة من الحاضرين لشخص آخر لإقناعه بإعادة مبلغ يخص أحد الحاضرين ومقداره ثمانية ملايين دولار على اعتبار أنها خطوة أولى في طريق اصطفاف وتلاحم الرفاق، فقال هذا أمر لست مشاركا فيه ولن أكون.
نستخلص من هذه الحادثة وغيرها أن تجار القضية إن لم يكونوا الرابحين فلن تكون قضية، وليكن الطوفان من بعدهم.
فكم نتمنى من أبنائه ـ وعاجلا ـ طباعة مذكراته التي ستغني المكتبة الجنوبية وستكون زادا مهما للباحثين عن الحقيقة.
رحمك الله أبا محمد وغفر لك وأسكنك فسيح جناته، وإنا على فراقك لمحزونون ولا نقول إلا “إنا لله وإنا إليه راجعون”!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى