فــاكــهـة الـفكـاهــة اللــحجيــة

> سند حسين شهاب

>
سند حسين شهاب
سند حسين شهاب
يستيقظ أهالي حوطة لحج المحروسة كل صباح على صوت لحجي شجي يتفنن تارة بالدان اللحجي الشهير، وتارة بأشعار لحجية ممزوجة بتأوهات ذات مسحة حزينة يصاحبها فكاهات يغلب عليها الألم.
ذلك لم يكن إلاّ عربيد بائع السمك الذي اضطر إلى مزاولة هذه المهنة علها تسد رمق أسرته وتكفيه ذل الحاجة.
سعيد عربيد أو ما عرف بالعربيد حكاية طويلة مبتدأها شباب الرجل الذي ذهب في ستينات القرن الفارط للبحث عن عمل فاشتغل جنديا في السلطنة اللحجية.
يتذكر العربيد تلك الفترة التي عمل فيها جندياً إبان سلطنة فضل بن علي في أمسية رمضانية قبل عشرين عاماً تقريباً، حيث استضيف العربيد كضيف شرف في هذه الفعالية، يقول العربيد: كنا في لحج في حالة رخاء وتنمية ولم يكن الاهتمام يقتصر على الإنسان، بل حتى الحيوان يحظى بهذه القيمة، أتذكر أنني في يوم من «الأيام»، كلفت بالذهاب إلى أحور لمعالجة كلب كان يدعى «جولي» وقد تم إحضار سيارة خاصة تقلني من دار سعد إلى أحور لهذا الغرض، وظللت حاضناً لهذا الكلب من بداية الرحلة إلى نهايتها ومن ثم العودة. ثم يطلق تأوهاته الحزينة: أين أصبحت؟ أنا اليوم بائع للسمك وهذا ليس عيباً، لكن هذه ليست مهنتي!.
يواصل العربيد: ذهبت السلطنة وجاءت الثورة ووجدنا أنفسنا في خضم هذه الأحداث، وخرجت مع الطرف المهزوم، وحسبت عليه، وهكذا صارت حياتنا، دفعنا ثمن موقفنا ثم تم تسجيلنا كجنود مستجدين، وكنا في كل مرحلة من مراحل الصراع بين الإخوة في الجنوب بعد الاستقلال نجد أنفسنا مع الطرف المهزوم، ونحسب عليه، رغم أننا لسنا إلا جنودا، وبالتالي فقد كنا ندفع الثمن في كل مرة، وهكذا مرت حياتنا، ونحن مدموغين رغم أننا لم نستفد من أي مرحلة حتى أوصلتنا وطنيتنا أخيراً إلى أن نصير بائعين للسمك.
لحج موطن الفكاهة وأهل لحج أهل فكاهة وطرائف بالفطرة، وفي لحج أساطين للفكاهة على مدى التاريخ وتاريخنا المعاصر، وأبرز العديد من هؤلاء نتذكر الحاج فضل، إسماعيل عبدالرب علي الصباغ، محمد سالم الحمري، فرتوت، محمود، عبده الكيال، شرويط، عبدالأحد عزيز، فايز السلامي وغيرهم.
سعيد عربيد واحد من الذين أثروا الحياة الاجتماعية في لحج بعدد كبير من الفكاهات والنوادر التي لايمكن حصرها، وكان المذكور يصنع الفكاهة في كل لحظة، بل إنه يتنفس الفكاهة، ويزرع الابتسامة بين الناس في ظل واقع طاحن.
ابتلي العربيد بمرض السكري الذي أتعبه كثيراً في الفترة الأخيرة، وكنت قد التقيته في شعبان الماضي بالصدفة في مستشفى ابن خلدون، وحكى لي معاناته من هذا المرض، وكان بادياً على وجهه الشحوب، وعيناه زائغتان، لكن ابتسامته لم تفارق شفتيه، وظل يطلق النكته تلو الأخرى فدعوت له بالشفاء.
فاجأني صديقي ناظم اللحجي بوفاة عربيد، وكثيرون في لحج لايعرفون حتى اللحظة هذا الأمر، كون المذكور يسكن في قرية الزيادي أقصى غرب الحوطة، فحزنت كثيراً ودعوت له أن يتقبله الله.
من سيوقظ أهل لحج من نومهم بعد وفاة عربيد، وسيظل أهل لحج يتذكرون صوته الشجي ونوادره العجيبة وإن كان أهل لحج لم يناموا أصلاً بسبب منغصات كثيرة.
رحم الله سعيد عربيد فاكهة الفكاهة اللحجية.. وإنا لله وإنا إليه راجعون!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى