الــوطـن لــيس بـطنــاً.. !

> عياش علي محمد

>
عياش علي محمد
عياش علي محمد
مشكلة تخلف اليمن ليست نابعة من رأسها، أو حتى من فخذيها، على الأرجح هي نابعة من بطنها، حيث تكمن فيها مخازن الاستهلاك، وتخدمها حاشية من (عماصير) الخدم والحشم.
كل شيء في هذه البلاد موجه للاستهلاك، والتفكير ينحصر في الاستهلاك اليومي، حتى أحلام المواطن موجهة للاستهلاك وهو ليس لديه أولويات، فهو يتماثل مع دولته في تقديره لسياستها التقليدية في الاستهلاك.
وأكبر هم ينتظره المواطن اليمني هو أن يتحقق حلمه في الوصول إلى وظيفة ودرجة وظيفية عليا تسمح له بأن يضاعف دخله من أجل الاستهلاك ثم تأتي المراتب الدنيا من اهتمامه.
والبعض الآخر يقاوم أية إزاحة لوظيفته حتى لا تفقد بطنه مشهيات الاستهلاك، وبسبب هذا الاستهلاك أصيبت ميزانية الحكومة بفقر الدم، وتحولت المساعدات الخارجية إلى مهدئات للذين يتوترون من قلة دخلهم.. ودخلت الدولة في قروض صادرة من البنك والصندوق الدوليين، لم تظهر وجهها المشرق على حياة الناس، ولم ترتفع أدخنة الصناعات جراء هذه القروض، بل على العكس إن أبناءنا وأحفادنا سيظلون يدفعون أقساط هذه الديون وفوائدها حتى تشيب رؤوسهم، ولن تنتهي.
ونحن لسنا ضد حياة الناس في التمتع بالاستهلاك، ولكن نرفض أن يستولي الواحد على حقه الاستهلاكي وحق الآخرين.
فضباط الجيش توسعت قدراتهم في الاستهلاك حتى استوعبت رواتب فئات الجنود المحرومين من الترقيات، ليستهلكها ضابط واحد.. مع العلم أنه ليس بمقدوره أن يستهلك مئات الآلاف من الريالات والمستلزمات الأخرى من الأغذية والملابس وغيرها.
وما هذه العادة الاستهلاكية إلا نوع من سياسة الولاءات الشخصية، التي لا يرجى منها إلا الضرر بسبب أن التعصب يقود في الأخير إلى غير صالح الوطن.
الناس في هذا العالم تأكل وتأكل وتأكل، ولكنها تبني وتعمر، وانتهت البشرية من الاستهلاك وبدأت حياة عصرية قامت على منجزات بنائها الاقتصادي والعلمي والثقافي، بينما هذه البلاد لاتزال (بطنها) هي الأولوية على الثقافة والفن والاقتصاد.. ولم تخرج بعد إلى حياة البناء المترافق مع الاستهلاك.
دولة الاستهلاك دولة رهيبة، يحركها جشع الاستهلاك الذي بدوره يعشق السلب والنهب، ولا هم لهذه الدولة إلا إشباع البطن بطريقة شرعية أو غيرها، وهي دولة لاتعرف شيئاً عن العالم، وكيف يتقدم، ولكنها خبيرة فقط في فن الاستهلاك المشوه والمكروه.
وكم أثرياء خلقتهم سياسة الاستهلاك، وكم من موارد البلاد انتهكت حرمتها شراهة الاستهلاك، وكم عالما ومهندسا وفنانا تم إحالته للمعاش بسبب قدرة قوى الاستهلاك على التخلص من منافسيها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى