في الذكرى الـ 10 لرحيل الأديب عبدالله باوزير (2 – 2)

> عادل سعيد القدسي

> ومن مسيرة هذا الفتى الاغتراب، فهو عنوان الإنسان الحضرمي، حتى ليصح أن نقول: “كل حضرمي مغترب، وليس كل مغترب حضرمي”.. ففي عدن الباوزير يجدُ نفسه في منتصف عقد الستينيات من القرن الماضي، وتحديدًا في 1954م حمل هذا الفتى الباوزيري (حقيبته الحديدية) المتواضعة، وكانت عدن هي وجهته وغايته، وبين (غيل باوزير) و(عدن)، كما بين السماء والأرض، كما بين النور والظلام، كما بين الواقع والخيال (!!)، وكادت (أضواء عدن) أن تخطف بصر هذا (الفتى البدوي) القادم من أعماق الريف البعيد، وبمثل البرق الخاطف (استوعب) الفتى هذه الأضواء، امتص (الصدمة الحضارية) بأقل التكاليف أعاد (هضم) هذا الواقع، وفق تربيته هو، وواقعه هو، وظروفه هو، لم تؤثر فيه هذه (النقلة) رغم اتساعها، بل إنه (بعصاميته) كان مساهمًا في صناعة واقع جديد.
باشتراطات جديدة كان (الباوزير) إضافة مقدرة للمجتمع العدني - آنذاك - تمامًا مثلما كان الحضرمي المبدع (علي أحمد باكثير)، إضافة للمجتمع المصري وببصمة لا تغفل في مسيرة الفعل الثقافي والإبداعي المصري إذا علَّمت يومًا حضرميًا لجاءك آيةً في النابغين محطات .. وعطاءات: منذُ أن وطأت قدما (الباوزير) تراب الغالية (عدن) وهو في صراع مع الحياة مرير لم تنفتح له أبواب المستقبل.
هكذا أمضى الرجل حياته في أعمال هامشية لا تواكب أشواقه وطموحاته، لكنه كان يطرق أبواب المستقبل بيديه ورجليه، ويعض عليه بنواجذه عاش (عاملاً) في محلات تجارية، حتى وافاه الأجل المحتوم، لكنه قهر ظروفه القاسية بعزيمة لا تلين، وبقوة إرادةٍ لا تعرف الانهزام أَخلق بذي الصبر أن يَحظى بحاجته، ومدمنُ القرع للأبواب أن يلجأ في بداية مسيرته الإبداعية، اختطَّ (الشعر) سبيلاً له، لكنه لم يمضِ فيه طويلاً، فتحول إلى (العود والطرب)، وكان حظه فيه كحظه مع الشعر لم يدم فيه طويلاً، فكانت انتقالته النوعية نحو (عالم الرسم والفرشاة) (عالم الجمال والألوان).
وهذه محطة ذات أهمية خاصة عنده، سجَّل فيها حضورًا نوعيًا، وكاد أن يحط فيها رحاله لولا ما تتطلبه من تفرغ، ومن سعة في المال والصحة مما لم تكن متوفرة في شخص الباوزير الذي أخذته (لقمة العيش) بعيدًا عن حلمه اللذيذ.
هذا أكثر من مبدع.. أكبر من قاص.. كانت محطة الرسم يعدها الباوزير (متعة) لا تعادلها متعة، وفي سبيلها تهون كل الخسائر والتعب الذي يلاقيه، والتعبير للباوزير، وبدلاً من احتضان (العود) أو (الريشة والألوان) وجد الباوزير نفسه (محتضنًا القلم) لكأن القدر قد اختاره للقلم، واختار القلم له، فصارا صديقين لا يفترفان، (43) عامًا لم يفترفا.
ظلَّ الباوزير محتضنًا قلمه حتى وافاه الأجل المحتوم، فوضع قلمه جانبًا، وأخلد في نومته الأبدية، وقلمه بجواره نائمًا وخلال هذه الـ(43) عامًا حقق الباوزير ذاته، وحفر اسمه في سجل الخالدين محققًا الريادة في القصة اليمنية حتى صار باستحقاق (أمير القصة اليمنية) عشق القص والسرد، وتمر اللقطة بمقابله كما تمر بمقابل مئات الناس وآلافهم، فتحدث لديه شيئًا ما .. بريقًا ما .. أثرًا ما يتحول بعد (التدوير) إلى عمل إبداعي خلاق (غواية القص) تملكته، فصارت حياته كلها قص، إن تكلم كان قاصًا .. وإن صمت كان قاصًا.. إن استيقظ كان قاصًا وإن نام كان قاصًا هو يمشي بين الناس ويتحرك ومشروع قصة تمشي معه وتتحرك، يكتب قصصه في الشارع العام في المقهى في المتجر الورقة والقلم لا تفارقان جيبه ومحفظته.
انتقل الباوزير إلى خالقه بعد أن خلَّف (14) وليدًا من أسرته الأدبية ما بين مجموعات قصصية قصيرة وقصص طويلة وروايات ومقالات ومن أدب الرحلات .. وآخر ما دفعته رحم المطبعة (أنا .. والحياة) في سيرته الذاتية، حتى أنه لم يقدر له (أنا .. والحياة) أن يصافح ناظريه، ويسكن بين كفيه الطاهرتين عدا هذه الأعمال الأدبية الخالدة، والتي لم يتبقَ منها شيء في المكتبات العامة والأكشاك، بعد نفادها فإن للباوزير (خمسة أعمال أدبية) أخرى ما زالت مخطوطة، حبيسة بيته وأدراج مكتبته، تنتظر لفتة كريمة تخرجها إلى النور من قبل الجهات والمؤسسات العامة والخاصة.
وبعد .. الباوزير نذر نفسه للأدب، أفنى حياته بين الأوراق والأقلام لم يجد ما يليق بمثله من تكريم واحتفاء .. هل تأتي ذكراه العاشرة لتوقظ النيام، وتدفع الغافلين الساهين للقيام بواجبهم الإنساني.. الأخلاقي .. الوطني تجاه تراث الباوزير وتجاه أسرته وأولاده .. إنا لمنتظرون !!.
**عادل سعيد القدسي**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى