مـنطـقـة الأصـابـح بـتـعـز .. رفـض شـعـبـي وصمـت رسـمـي

> استطلاع/ محمد العزعزي

> منطقة الأصابح (الجرين) في مديرية الشمايتين بمحافظة تعز ذات تضاريس متنوعة بين السهل والجبل والوادي، وهو ما منحها طبيعة ساحرة مكسوة بالخضرة الدائمة لدوام جريان المياه فيها، سمات الطبيعة هذه انعكست على كل أبناء المنطقة التي يعيشون فيها، فهم طيبون حالمون رغم ما يمارس ضدهم في هذا الزمن من صمت رسمي نغص معيشتهم في مختلف مناحي الحياة.
وتتكون منطقة الأصابح ذات الطبيعة الريفية والتي يعمل أبناؤها في فلاحة الارض وزراعتها من قرى عدة أبرزها: يفوز، نعامة، القضاة، الميهال، السبيب، العفان، صنانه، وغيرها الكثير.
تتمتع منطقة الاصابح بعدد من الميزات وهو ما يجعل الزائر لها يشعر بالمتعة والراحة والانس لجمال طبيعتها وطيب أهلها.
افتكار سليمان الاصبحي إحدى القاطنات فيها قالت : “يجد الإنسان في هذه الأرض مكانا آمنا يضمن له السكينة والهدوء وراحة البال رغم الوضع الاقتصادي المتردي فالناس ميالون للعيش بسلم وسلام، حيث النباتات والأشجار المزهرة، والطيور وغيرها من المناظر الجميلة، وما يزيد من مكانتها خلوها من مظاهر الحياة القبلية، فالناس هنا يجنحون إلى المدنية والتعايش السلمي، ميالون إلى العلم، والفن، والأدب، إنها منطقة لا تشعر بالاغتراب فيها.
**معالم تؤشك على الاندثار**

عقيل الأصبحي عبر من جهته عما تزخر به هذه المنطقة من إرث تاريخي وما حل به بالقول: “في هذه المنطقة معالم أثرية كثيرة أضحت آيلة للزوال، أبرزها قلعة يفوز التي تطل على جبل بيحان التاريخي، نتيجة العبث الذي تعرضت له على أيدي العسكريين الذين قدموا من صنعاء أواخر سبعينات القرن الماضي، وذلك بعد أن اتخذت قاعدة عسكرية لإرهاب السكان وإذلالهم.
وأضاف: “ومن ضمن هذه المعالم المهددة بالاندثار أيضا حصن نعامة الأثري بالإضافة إلى كهف الاعبار التاريخي والذي يحتوي على نقوش حميرية يعتقد سكان المنطقة أنها تعليمات عن قنوات الري”.
**التربية والتعليم**
عرف عن هذه المنطقة دخول التعليم فيها مبكراً، وحب أبنائها للعلم والتعلم، وعن هذا الجانب قالت لميس عبدالواسع العزعزي - طالبة جامعية: “لقد بدأ التعليم في هذه المنطقة في وقت مبكر من خلال الكتاتيب والزوايا الصوفية، كما تأثر الرعيل الأول بالهجرة إلى الجنوب، حيث عاشوا في أم الدنيا عدن الحضارة والازدهار وكان الآباء يرسلون أبناءهم اليها بغرض الحصول على العلم”.
وواصلت حديثها بالقول: “يوجد في الاصابح (الجرين) ست مدارس هي: مدرسة (الشهيد عبدالرحمن الغافقي)، وهي الأكبر في المنطقة، ومدرسة (ذو أصبح) وهي الأقدم، ومدرسة (أبو ذر الغفاري) التي بنيت في عهد الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، ومدرسة (الميهال)، ومدرسة (الشهيد سعيد علي الأصبحي)، وكذا مدرسة (هائل الصوفي)، ويزيد عدد الطلاب في هذه المدارس على (3000) طالب وطالبة”.
وأشارت لميس إلى أن هذه “المنطقة شهدت التعليم النظامي مبكراً، غير أنه أضحى اليوم يعاني من السلبية، وضعف الانتماء، وهو ما يؤدي إلى عدم الرغبة في الدراسة، وضعف العلاقة بين المعلم والطالب والإداريين، بالاضافة إلى انعدام النشاطات المصاحبة للمنهج المدرسي، وهو ما يؤدي ايضاً إلى ضعف التحصيل العلمي، والغش، والفشل وخلق الشعور بالعجز في نفوس الطلبة وما يترتب عنه من احباط وتسرب من الدراسة، وسوء التكيف النفسي وغير ذلك من السلبيات التي تشجع الطالب على العزوف عن الدراسة”.
واختتمت حديثها قائلة: “لعل أخطر سلبية يعاني منها الطلبة في مدارسنا عموما هي سلبية التعليم التي تقوم على فرض الجبايات غير القانونية وشعورهم باليأس والإحباط ما يدفعهم لترك الدراسة، ويتوجهون للعمل في المدن والدول المجاورة، كما أن هناك سلبية أخرى وهي بادرة خطيرة تتمثل بالاعتداء على المعلمين أو بين الطلاب أنفسهم، وهذه الظاهرة تُعد نتيجة طبيعية كنوع من رفض الواقع الأليم والتمرد على المجتمع وقيمه والتعبير الرافض بوسائل مختلفة لهذا الواقع الأليم بطرق فوضوية سلبية وهذا ما يزيد من حالات التمرد والانحراف أحيانا”.
**حالات نفسية**

من جهته أوضح التربوي محمد عبدالرؤوف الأصبحي لـ«الأيام» أنه “في الآونة الأخيرة ظهرت حالات نفسية بين أوساط الشباب بشكل مخيف”، واعاد الاصبحي تكاثر هذه الحالات إلى “انتشار البطالة، وانعدام فرص العمل، وكذا انتشار القات (وحبوب الهلوسة) التي تباع في الصيدليات بمدينة التربة دون حسيب أو رقيب، وكذلك غلاء المهور، وهو ما ادى إلى تدمير بعض الشباب وخراب عقولهم وظهور حالات من الانحراف الاجتماعي، بالاضافة إلى ارتفاع نسبة الجريمة بشكل ملحوظ، الامر الذي يتطلب إعادة تأهيل وتدريب هؤلاء الشباب، لتمكينهم من الانخراط في الحياة الاجتماعية العامة من جديد، كما يتوجب على الدولة إن وجدت توفير أعمال ووظائف لكي يعود هؤلاء الشباب إلى الحياة الطبيعة، وممارسة حياتهم بشكل مستقيم ومستقر”.
**أعمال خيرية**
للاعمال الخيرية في منطقة الاصابح بمديرية الشمايتين حضور فاعل ومثمر، ومن أبرز هذه الاعمال الخيرية ما تقوم به جمعية الأيمان النسوية التنموية عبر رئيستها بلقيس أحمد شمسان الأصبحي، والتي هدفت من تأسيسها إلى رعاية وتأهيل المرأة، وذوي الاحتياجات الخاصة (المعاقين) وبجهود ذاتية من مجموعة من بنات المنطقة ودعم من صندوق رعاية المعاقين وذلك من خلال عدة أنشطة منذ تأسيس الجمعية في 18 /8 /2011م أبزرها دعوة لجنة طبية من صندوق رعاية المعاقين بتعز إلى المنطقة لفحص حالات الصم والبكم وصرف السماعات والبطائق لهم، بالاضافة إلى تنفيذ ثلاث دورات اشغال يدوية وخياطة استهدفت حوالي (200) متدربة من المناطق المجاورة، بالاضافة إلى افتتح معرضين في مدرسة الشهيد الغافقي لعرض المنتجات والاشغال اليدوية وكذا المشاركة في المعرض المشترك للمعاقين في صنعاء ثم المشاركة في معرض الفضول في كلية التربية والآداب والعلوم بالتربة، كما نفذت الجمعية دورتين في الإسعافات الأولية بمشاركة جمعية الهلال الأحمر في مقر الجمعية في مدرسة عبدالرحمن الغافقي وقد استهدفت حوالي 65 متدربة من عدة قرى في المنطقة، وغيرها الكثير من الانشطة والدورات التدريبية.

واختتمت بلقيس حديثها بالقول: “نحن الآن بصدد فتح فصل محو الامية للكبار وحلقة تحفيظ القرآن للنساء بالإضافة الى أننا ندرب المعاقين في مركز تدريب وتأهيل المعاقين التعليمي والمهني التابع للجمعية على خط التربة ـ الزكيرة من العام الماضي للصم والبكم والاعاقات الذهنية وصعوبة التعليم، كما تقوم الجمعية التي فتحت لها ايضاً فصلا في منطقة (الزكيرة) خاصا بالصم والبكم العام الماضي بتوزيع مستلزمات التعليم للطلاب المعاقين واليتامى في (مدارس الغافقي وهائل الصوفي وسعيد علي و26 سبتمبر في الزكيرة) كما تقوم بتوزيع السلة الغذائية وكسوة العيد للفقراء”.
**اعتماد الأهالي على الزراعة**
يعتمد كثير من أبناء الأصابح على الزراعة وتربية الأغنام، وهو ما أوضحت جانبا منه الأخت وديان علوان بالقول: “يعتمد نصف سكان منطقة الأصابح على الزراعة وتربية الحيوانات باستثناء بعض الأسر التي احترفت التجارة وأعمال البناء والتشييد والبعض ممن يمارس عددا من المهن، ومن أهم المحاصيل الزراعية في هذه المنطقة الحبوب الغذائية بأنواعها المختلفة والفواكه والخضار، بالاضافة إلى تربية الحيوانات، لكنها لا تغطي حاجة السكان ما يجعلهم يلجؤون إلى شراء القمح المستورد من الخارج لتلبية الحاجات الغذائية، ومما تحتاجه هذه المنطقة إقامة سدود وخزانات لتشجيع الزراعة والحفاظ على المياه الجوفية التي انخفضت كثيرا وارتفعت نسبة الملوحة فيها بسبب السحب الجائر وعدم ترشيد الاستخدام واعتماد مدينة التربة على المياه من هذه المنطقة منذ خمسين عاما”.
**النقل والمواصلات**
تتميز عزلة الاصابح عن غيرها من المناطق الريفية الأخرى بوجود ثلاث طرق اسفلتية هي طريق التربة مرورا بالأصابح وانتهاء بالزكيرة وطريق التربة القريشة والتربة معول في الجرين بالاصابح وتربطها بغيرها من المناطق المجاورة والمدن اليمنية.
هذا ما أوضحه فوزي علي محمد الحاج، الذي أضاف بالقول: “لهذا يجد المرء الحركة في هذه المنطقة سهلة، غير أن السمة البارزة أن القرى مازالت تعتمد على الطرق الترابية التي شقها الأهالي بجهدهم منذ فترة التعاونيات في سبعينيات القرن الماضي.
**مستوصف لا يفي بالغرض**
أشرف أحمد سلطان تحدث لـ«الأيام» عن الجانب الصحي في هذه المنطقة بالقول: “يوجد في قرية (الصنعة) مستوصف صحي حكومي بطبيب وممرضين وقابلات ومختبر وكشافة، لكنه لا يفي بالدور المطلوب تجاه المجتمع، فالأمراض أكبر من قدرة هذا المرفق الخدمي، بالرغم من أنه افضل من غيره، ومن أبرز الامراض المنتشرة في هذه المنطقة: أمراض القلب، والكلى، والسكر، والروماتيزم، والسرطان، وتصلب الشرايين، والاسهالات الحادة، والديدان، ويسعف الناس مرضاهم إلى المدن خصوصا الميسورين أما عامة الناس والفقراء فيكتفون بما هو موجود أو يلجؤون إلى التداوي بالأعشاب الطبية”.
وأضاف: “هناك مشكلة أخرى في هذه المنطقة وبحاجة لإيجاد حل لها هي المقابر، والتي باتت تحتاج إلى تسوير، للحفاظ عليها من جرف السيول الموسمية”.
واختتم حديثه بتوجيه مناشدة عبر «الأيام» إلى الميسورين من أبناء المنطقة، والجهات الرسمية بسرعة تسوير المقابر في القرى خصوصا في (العفا، والقضاة، والأعبار، وأدامه، والجرين).
**الخاتمة**
اشتهرت الأصابح بازدهار التعليم بين أهلها وبخصوبة أرضها عبر الزمن كما عرفت بتاريخها النضالي ومقاومة الظلم والاستبداد، ويتميز سكانها بمواكبة الحداثة والتطور والاعتزاز بالنفس، كما يُعرف عن أبناء هذه المنطقة اغترابهم في كثير من بلدان العالم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى