عدن بين الأمس واليوم .. صروح ومعالم هدت بمعاول الإهمال والجهل

> تحقيق/ نوارة قمندان

> إن الرغبة في معرفة الماضي طبيعة بشرية تكاد أن ترتقي إلى مستوى الغريزة التي تجعل الإنسان دائم البحث والتقصي عما حدث في الأزمان التي لم يعشها والأمكنة التي لم يحل بها للاطلاع عن مكنوناتها وما زخرت به وجعلها مواداً تدرس وكتب تؤلف.
من هذه الأشياء التي حاولنا التعرف على ماضيها العريق نتيجة للأوضاع السيئة التي آلت إليه بعض المعالم التاريخية والأثرية والدينية التي اشتهرت بها مدينة عدن وجعلها رائدة ليس على مستوى الوطن، بل الجزيرة والخليج صهاريج عدن ومسجد أبان وغيرهما من المعالم الدينية.
كل مجتمعات وشعوب العالم ترى في ما تزدخر به مجتمعاتهم من إرث تاريخي وثقافي شيئا مقدسا لا يمكن الاعتداء عليه أو النيل منه لعلمهم ما يمثله له من رصيد تاريخي يقرأ من خلاله ماضي أسلافهم وما برعوا فيه للتفاخر والتباهي به، غير أن هذا الاهتمام والنظرة الإيجابية لهذا الإرث التاريخي والثقافي في عدن له نظرة أخرى، اتخذت الصفة السلبية في أتم أوجهها لتطال أياد التخريب والعبث كل معالمها التاريخية والأثرية والدينية.
ومن أبرز المعالم الدينية التي نالها النصيب الأكبر والمكتمل مسجد أبان التاريخي والواقع في شارع أروى بكريتر، والذي يعود تاريخ تأسيسه إلى عهد النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم، وبهذا يعد أقدم مسجد في جنوب اليمن، أما بناؤه فيعود إلى العام 105هـ - 723م، بناه الحكم بن أبان بن عثمان بن عفان وسماه باسم أبيه ليقترن اسم المسجد باسمه، وقد اشتهر هذا المسجد بتصميمه الجميل الذي غلب عليه الطابع الإسلامي، غير أن المسجد التاريخي تعرض إلى الهدم وإعادة بنائه بطريقة عصرية طمست من خلالها كل معالمه ولم يراع فيها نمطه المعماري القديم.
الحاج محمود علي أحد رواد المسجد تحدث عن ما تعرض له المسجد من طمس تام لمعالمه التاريخية بالقول: “مسجد أبان كان يُعد من أبرز المعالم الدينية والتاريخية في المدينة، إذ يعود تاريخ بنائه إلى بداية القرن الثاني الهجري، وما زاد من قيمته التاريخية هي المواد التي بني بها كالأحجار والنورة والأحجار المخلوطة والتي بطبيعتها كانت تضفي عليه هالة تاريخية قوية، ولكن مع الأسف الشديد تم هدم هذا المعلم الديني العريق بالكامل وتم إعادة بنائه بطريقة عصرية لم تراع نمطه المعماري القديم”.
أما الشيخ محسن محمد عبدالله إمام وخطيب المسجد منذ 35 سنة فله رؤية مغايرة لما سبق، فهو مؤيد لما طرأ من تحديث وبناء جديد على المسجد بالقول: “كان المسجد في الماضي يحوي 35 مصلياً فقط أما في الوقت الحاضر فإنه يستوعب أكثر من 400 مصلٍ”.
وعن هدم المسجد وتغيير معالمه قال: “إن المسجد سيظل معلماً تاريخياً حتى بعد هدمه لاحتوائه على الجوانب الأثرية التي أعطته أهمية كالأحجار التي تم وضعها في عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم”.
**مدينة التسامح لم تعد كذلك**
الكنيسة سانت جوزيف  (قبل)     الكنيسة حاليا
الكنيسة سانت جوزيف (قبل) الكنيسة حاليا

كما عرف عن عدن منذ القدم أنها مدينة التسامح الديني وتعدد الأعراق، حيث ترتفع فيها أصوات المساجد بالأذان، وصليب المسيح ينتصب في أكثر من مكان في المدينة، ولكن ما نراه اليوم عكس ذلك تماماً.
ففي هذه المدينة عدد من الكنائس منها كنيسة (سانت جوزيف) والتي يعود تاريخ بنائها إلى عام 1850م في حي كريتر مدرسة الملكة أروى حاليا، وبجوارها تقع ثانوية القديس (سانت جوزيف) ملاصقة للكنيسة، وكانت تسمى قديماً بمدرسة البعث الكاثوليكي الرومانية الخاصة بالفتيات وتدار بإشراف كبير الراهبات، هؤلاء الرهبان والراهبات كانوا يؤدون طقوس عباداتهم الدينية دون أن يعترضهم أحد أو يعتدى عليه بذريعة الدين أو غيره.
نور عبدالحسين حارس كنيسة (سانت جوزيف) أوضح جانبا من المعاناة التي بات يعانيها في الوقت الحاضر بعد أن كانت غير موجودة في الماضي بالقول: “قبل سبعين عاما كانت عدن مدينة الأمن والاستقرار، ويسودها النظام والقانون، ولكن بعد الوحدة انقلبت الأوضاع في عدن إلى الضد، حيث أصبحت تعاني الكثير، فلا أمان ولا استقرار”.
وأضاف: “إننا بتنا نتعرض في الوقت الحاضر للاضطهاد من قبل بعض الأطراف الدينية المتشددة، فكثيراً ما نتعرض للرجم وكنيستنا بالحجارة عند قيامنا بأداء الصلاة فيها، وكان آخر هذه الاعتداءات قبل ستة أشهر حيث تعرضت الكنيسة للحرق ولم يعرف الجاني حتى اليوم.
بالإضافة إلى هدم جزء من الكنيسة وهو الجزء المخصص للنساء من قبل المخربين”.
واختتم بالقول: “لقد عملنا على نقل كل محتويات الكنيسة التي تم هدمها وإرسالها إلى الكنيسة المتواجدة في التواهي”.
**ميزانية الصهاريج انتهت في الوحدة**
التخريب والهدم وطمس الهوية لم يكتف بالمعالم الدينية (المساجد والكنائس) وغيرها بل طال الجانب التاريخي أيضاً والتي يعود تاريخ بعضها إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد كصهاريج عدن والتي بنيت في عهد مملكة سبأ كأول حاجز مائي في شبه الجزيرة العربية، وعلى الرغم من قيمة هذا الصرح التاريخية للبلاد إلا أنه ناله من التخريب والهدم ما نال المعالم الأخرى في هذه المدينة الحضارية.
مدير عام الصهاريج خالد الرباطي أوضح جانبا مما تعرض له هذا الصرح التاريخي في المرحلة الأخيرة بالقول: “إن المشكلة الأساسية التي تعاني منها الصهاريج هي التجاهل وعدم الاهتمام من قبل الجهات المعنية المتمثلة في وزارة الثقافة وهيئة الآثار اللتين باتتا تتصارعان على الموقع ليس إلا”.
وأضاف: “الصهاريج إلى يومنا هذا ليست لها جهة تتبعها، كما لا يوجد قرار يخص هذا الموضوع”.
وعن ما إذا كان لهذه الصهاريج ميزانية خاصة بها أجاب الرباطي بالقول: “كانت هناك ميزانية تشغيلية كاملة والقانون فوق الجميع في عهد الاحتلال البريطاني، ولكن من عام 1990م أصبحت الصهاريج مهملة لا تنتمي إلى أية جهة”، مشيراً إلى أن عدن في الماضي كانت تتمتع بالأمن والاستقرار وتستقبل ما بين 5 إلى 17 باخرة سياحية في اليوم، خلافاً للوقت الحاضر والذي انعدم فيه الأمن والاستقرار وهو ما نتج عنه ضعف السياحة بشكل كبير جداً، بالإضافة إلى الزوار المحليين”.
وتمنى الرباطي في ختام حديثه عن الوضع الحالي للصهاريج أن تستمر ثورة الربيع العربي بنفس الخطى ليحدث تغييراً للوضع الحالي من شأنه أن يحافظ على هذا الصرح الحضاري قبل أن تناله أياد الطامعين وملاك الأراضي.
**متحف الصهاريج تعرض للنهب**
عبدالملك محمد حسن ـ حارس في الصهاريج منذ 40 سنة ـ أبدى استياءه الشديد عن الإهمال الذي طال الصهاريج بالقول: “كانت الصهاريج أيام الاستعمار البريطاني تحتوي على متحف خاص بالفضيات وقاعة تقام فيها الأفراح والمناسبات، أما الآن فحال الصهاريج فلم تعد كما كانت، فالمتحف فيها تعرض للنهب والسرقة في حرب 94 وتم إغلاقه بالكامل في خليجي عشرين بحجة إعادة ترميم وتأهيل الصهاريج، وهو ما لم يحصل حتى يومنا هذا”.
**يجب إعادة تأهيلها**
وكيل محافظة عدن أحمد الضلاعي أدلى بدلوه فيما يخص وضع هذه الصهاريج قائلاً: “يجب علينا الحفاظ على معالمنا التاريخية التي تعتبرها الدولة أساس الترويج السياحي لهذه المدينة (عدن)، بالإضافة إلى إعادة تأهيلها وترميمها حتى لا تحدث كوارث أثناء تساقط الأمطار بغزارة، مع ضرورة منع أي بسط أو اعتداء على هذه المعالم والحرص على استثمارها من قبل الزائرين من أبناء الوطن والسياح الوافدين إليها”.
**رياضة الأمس واليوم**
أول فريق رياضي في عدن     بريد عدن قديما
أول فريق رياضي في عدن بريد عدن قديما

مدينة عدن لم تشتهر بمعالمها التاريخية والأثرية والريادة في الفن والمسرح والثقافة وحسب، بل كانت رائدة أيضاً في عالم الرياضة على مستوى الجزيرة والخليج العربي، ففي هذه المدينة أنشئ أول نادٍ رياضي عام 1905م وهو نادي المحمدي (التلال) حالياً، ومن قبله شهدت المدينة الكثير من الفرق الرياضية، وقد أحدث هذا النادي تطوراً كبيرا في تطور لعبة كرة القدم، كما أضحى هذا النادي (المحمدي) رمزا من رموز التحدي والفخر والاعتزاز، وهو ما جعله من الرواد الأوائل في تاريخ الحركة الرياضية في البلاد.
الكابتن حسين فرحان هو لاعب سابق في نادي التلال، ومدرب براعم التلال حالياً، قارن بين مستوى الرياضة في هذه المدينة بين الماضي والحاضر بالقول: “كانت الرياضة في الماضي في هذه المدينة تحظى باهتمام كبير وشعبية أكبر تغص بهم مدرجات الملاعب”.
وأضاف: “في الماضي كانت الجهات المعنية تهتم بالرياضة عن طريق تشجيع المواهب الصاعدة ولاعبي المنتخب مع الاهتمام بصحتهم والحفاظ على لياقتهم البدنية، ولكن مع الأسف الشديد في الوقت الحاضر كثير من المواهب الصاعدة لا تحظى بالاهتمام المطلوب، ولم ينالهم نصيبا من التشجع”.
وواصل حديثه سارداً بعضاً من المعاناة التي تواجه الرياضة في عدن بالقول: “إن إحدى مشاكل تردي وتراجع وضع الرياضة في هذه المدينة هو ضعف الانتماء للوطن من قبل كثير من اللاعبين الذين بات جل اهتمامهم هو الحصول على المال فقط”.
**إهمال إدارة النادي**
وعن معاناته التي يواجهها في النادي باعتباره مدرباً للبراعم في نادي التلال قال الكابتن فرحان: “نعم هناك إهمال كبير من قبل إدارة النادي لهؤلاء البراعم، حيث لم تقم بالاهتمام بهم أو تشجيعهم أو توفير لهم أبسط حقوقهم”، مشيراً إلى أن هذا الإهمال لا يقتصر على البراعم فقط بل “نالنا نحن المدربين نصيبا منه، حيث أصبحنا لا نحصل على حقوقنا من مرتبات وحوافز إلا بعد المناشدة”.
واختتم حديثه بالقول: “لقد أصبحت الرياضة اليوم في خبر كان بعد أن كانت هناك أسماء كبيرة تضيء الملاعب”، كما أبدى أسفه على الأوضاع التي آل إليها نادي التلال وهبوطه من أعلى قمة الأندية الكبيرة إلى خارج ترتيب أوائل الدوري نتيجة للفساد الإداري وإهمال الجهات المعنية، متمنياً سرعة إيجاد حلول جادة من شأنها أن تعود بالرياضة في هذه المدينة إلى عهدها الأول.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى