لا يموتون ..! «الأيام» تحيي الذكرى الحادية عشرة لوفاة الجبل الثالث في نابلس

> المحرر الأدبي

> فدوى طوقان من أهم شاعرات فلسطين والعربية في القرن العشرين، ولقبت بشاعرة فلسطين، حيث مثل شعرها أساسًا قويًا للتجارب الأنثوية في الحب والثورة واحتجاج المرأة على المجتمع.
ولدت فدوى طوقان في مدينة نابلس الفلسطينية سنة 1917م لأسرة مثقفة وغنية لها حظوة كبيرة في المجتمع الفلسطيني، فهي ابنة عبد الفتاح آغا طوقان، وفوزية أمين بيك عسقلان.
تلقت تعليمها حتى المرحلة الابتدائية، حيث أخرجت من المدرسة لأسباب اجتماعية قاسية، جعلتها تتلقى أول ضربة في حياتها عندما ألقى القدر في طريقها بشاب صغير رماها بوردة فل تعبيرًا عن إعجابه بها، وقد وصفت فدوى تلك الحادثة: “كان هناك من رآني، فوشى بالأمر لأخي يوسف، ودخل يوسف عليَّ كزوبعة هائجة (قولي الصدق)، وقلت الصدق لأنجو من اللغة الوحيدة التي كان يخاطب بها الآخرين، العنف والضرب بقبضتين حديديتين، وكان يتمتع بقوة بدنية كبيرة لفرط ممارسته رياضة حمل الأثقال؛ ليصدر حكمه بالإقامة الجبرية في البيت حتى يوم مماتي، كما هددني بالقتل إذا ما تخطيت عتبة المنزل، وخرج من الدار لتأديب الغلام”.
“قبعت داخل الحدود الجغرافية التي حددها لي يوسف، ذاهلةً لا أكاد أصدق ما حدث، ما أشد الضرر الذي يصيب الطبيعة الأصلية للصغار والمراهقين بفعل خطأ التربية وسوء الفهم”.
عانت فدوى طوقان قسوة الواقع الاجتماعي الذي قذف بها بعيداً بين جدران البيت السماوي في البلدة القديمة من مدينة نابلس، تنظر إلى نفسها بشيء من الخجل والاتهام، لقد فقدت أحب شيء إلى نفسها (المدرسة) التي أرادت أن تثبت نفسها من خلالها، وحرمت منها، وهي في أمس الحاجة لها.
تصف فدوى طوقان موقف أبيها منها الذي لا يخاطبها مباشرة - على عادة الرجال في زمانه - وإنما يخاطب أمها إذا أراد أن يبلغها شيئًا، ثم تقوم أمها بعد ذلك بتوصيل ما يريده أبوها منها، تقول: “عاد أبي ذات صباح إلى البيت لبعض شأنه، وكنت أساعد أمي في ترتيب أسرة النوم، وحين رآني سأل أمي: لماذا لا تذهب البنت إلى المدرسة؟. قالت: تكثر في هذه الأيام القصص حول البنات فمن الأفضل وقد بلغت هذه السن أن تبقى في البيت. قال أبي: حسنًا وخرج!”.
**علاقة فدوى بأخيها إبراهيم:
بدأت علاقة الشاعرة بأخيها إبراهيم منذ وقت مبكر من حياتها، وكان بالنسبة لها الأمل الوحيد المتبقي في عالمها المثقل بعذابات المرأة وظلم المجتمع، ورأت فيه الضوء الذي يطل عليها من خلف أستار العتمة والوحشة والوحدة.
وشكلت عودة إبراهيم من بيروت إلى نابلس، في تموز 1929، بعد أن أكمل دراسته وحصل على شهادته من الجامعة الأمريكية ببيروت، عاملاً مساعدًا لإعادة بعض الفرح، إن لم نقل الفرح كله، إلى حياة فدوى طوقان، ورأت في قربه منها عاملاً مساعدًا في إعادة ثقتها بنفسها، وترسيخ خطواتها على درب التعليم الذاتي الذي ألزمت نفسها به بعد أن أجبرت على ترك المدرسة، تقول: “كانت عاطفة حبي له قد تكونت من تجمع عدة انفعالات طفولية سعيدة كان هو مسببها وباعثها. أول هدية تلقيتها في صغري كانت منه، أول سفر من أسفار حياتي كان برفقته. كان هو الوحيد الذي ملأ فراغ النفس الذي عانيته بعد فقدان عمي، والطفولة التي كانت تبحث عن أب آخر يحتضنها بصورة أفضل وأجمل وجدت الأب الضائع مع الهدية الأولى والقبلة الأولى التي رافقتها”.
قالت عن نفسها
* “أنا عين المرأة .. الشاهدة .. بؤرة العدسة .. صياح الديك عند الفجر .. لؤلؤة الكلام .. حجارة الحيطان العتيقة .. نبتة الظلال التي تعانق المساء .. أنا الصوت الحنون الذي يستحضر الأمل وقت الكلام”.
قالوا عن فدوى طوقان:
* “فدوى طوقان من أبرز شعراء جيلها، وما من شك في أن ما أسهمت به في دواوينها يعد جزءًا مهمًا من التراث الشعري الحديث”. (من تقرير لجنة تحكيم جائزة البابطين للإبداع الشعري، 1994م).
* “تميزت فدوى طوقان بروح إبداعية واضحة، وضعت شعرها في مقدمة الشعر النسائي الفلسطيني إن لم يكن في مقدمة الشعر النسائي العربي”. (شاكر النابلسي، من مقدمة كتابه).
* “فدوى طوقان شاعرة عربية بديعة الأنغام، والتصاوير، والموسيقى، صاحبة موهبة فنية رفيعة بين شعراء وشاعرات الوطن العربي المعاصرين”. (د. عبد المنعم خفاجي، من ملف جريدة البعث السورية عن فدوى طوقان).
* “كان شعرها صورًا حية لتطور الحياة الشعرية بعد النكبة، ومن يمض في قراءته، ويتدرج معه من حيث الزمان، يجد صورة وجدانية لحياة المجتمع الفلسطيني وتطورها بفعل تطور الأحداث المشتملة عليه”. (د. عبد الرحمن ياغي، من ملف جريدة البعث السورية عن فدوى طوقان).
*كانت قضية فلسطين تصبغ جانبًا مهمًا من شعر فدوى بلون أحمر قان، وكان شعر المقاومة عندها عنصرًا أساسيًا وملمحًا رئيسيًا لا يكتمل وجهها الشعري بدونه”. (من ملف جريدة البعث السورية عن فدوى طوقان).
* “منذ أيام الراحل طه حسين لم تبلغ سيرة ذاتية ما بلغته سيرة فدوى طوقان من جرأة في الطرح وأصالة في التعبير وإشراق في العبارة”. (الشاعر سميح القاسم).
* “يليق بفدوى طوقان أن تحمل لقب (سنديانة فلسطين)، و(أم الشعراء)، و(الجبل الثالث في نابلس)، ويليق بها أن تحمل اسم (شاعرة العرب) في هذا العصر، ويليق بها أن تكون الشاعرة العربية في مختلف العصور، ليس ثمة في الذاكرة الشعرية العربية، من ألف سنة إلى الآن، شاعرة بحجم فدوى طوقان”. (للشاعر والأديب علي الخليلي).
*آثارها الشعرية:
- (وحدي مع الأيام)، دار النشر للجامعيين، القاهرة ،1952م.
- (وجدتها)، دار الآداب، بيروت، 1957م.
- (أعطنا حبًا)، دار الآداب، بيروت, 1960م.
- (أمام الباب المغلق)، دار الآداب، بيروت، 1967م.
- (الليل والفرسان)، دار الآداب، بيروت، 1969م.
- (على قمة الدنيا وحيدًا)، دار الآداب، بيروت، 1973.
- (تموز والشيء الآخر)، دار الشروق، عمان، 1989م.
- (اللحن الأخير)، دار الشروق، عمان، 2000م.
آثارها النثرية:
- (أخي إبراهيم)، المكتبة العصرية، يافا، 1946م.
- (رحلة صعبة - رحلة جبلية “سيرة ذاتية”)، دار الشروق، 1985م.
- (الرحلة الأصعب “سيرة ذاتية”) دار الشروق، عمان، (1993).
*الأوسمة والجوائز:
- (جائزة الزيتونة الفضية الثقافية لحوض البحر البيض المتوسط) باليرمو إيطاليا 1978م.
- (جائزة عرار السنوية للشعر)، رابطة الكتاب الأردنيين، عمان، 1983.
- (جائزة سلطان العويس)، الإمارات العربية المتحدة، 1989م.
- (وسام القدس)، منظمة التحرير الفلسطينية، 1990.
- (جائزة المهرجان العالمي للكتابات المعاصرة)، ساليرنو - إيطاليا.
- (جائزة المهرجان العالمي للكتابات المعاصرة) إيطاليا 1992.
- (جائزة البابطين للإبداع الشعري)، الكويت 1994م.
- (وسام الاستحقاق الثقافي)، تونس، 1996م.
- (جائزة كفافس للشعر)، 1996.
- (جائزة الآداب)، منظمة التحرير الفلسطينية، 1997م.
الرسائل العلمية في نتاج فدوى طوقان الأدبي:
**أولاً: الدكتوراه:
- (إنتاج فدوى طوقان الشعري)، د.عبدالله الشحام، جامعة مانشستر، إنجلترا.
- (سيرة فدوى طوقان الذاتية)، مايا فان درفلدن، جامعة أمستردام،هولندا.
- (فدوى طوقان: أغراض شعرها وخصائصه الفنية)، د. إبراهيم العلم، الجامعة اللبنانية.
**ثانيًا: الماجستير:
- (الصورة، أثر الوجدان الإسلامي في إنتاج فدوى طوقان)، يحيى الأغا، جامعة القاهرة.
- (فرجينيا وولف وفدوى طوقان في السيرة الذاتية لكل منهما) (دراسة مقارنة)، سيرين حليلة، جامعة لندن.
- (الصورة الشعرية عند فدوى طوقان)، خالد السنداوي، الجامعة العبرية.
- (فدوى طوقان في سيرتها الذاتية)، ناديا عودة، جامعة بون، ألمانيا.
- (سيرة فدوى طوقان وأهميتها في دراسة أشعارها*، رمضان عطا محمد شيخ عمر، جامعة النجاح الوطنية، نابلس.
هذا عدا أبحاث ودراسات كثيرة نشرت في الكتب والمجلات والدوريات العربية والأجنبية، وثمة دراسات علمية أخرى صدرت مؤخرا ولم يتسن الاطلاع عليها.
أجمل ما قالته فدوى طوقان:
هدية لقاء في حيفا
على أبوابِ يافا يا أحِبائي
وفي فوضى حُطامِ الدّورِ، بين الرَّدْمِ والشَّوْكِ
وقفْتُ وقلتُ للعينين:
يا عينين قِفا نبكِ
على أطلالِ مَنْ رحلوا وفاتوها
تُنادي مَنْ بناها الدارْ
وتَنعى مَنْ بناها الدارْ
تموز والشيء الآخر
على جسد الأرض راحت أنامله الخضر تنقل خطواتها
تقيم طقوس الحياة، تجوس خلال التضاريس، تتلو صلاة المطر
وتستنبت الزرع ريان من شريان الحجر
تبدل كل القوانين، تلغي أوان الفصول
تغير في الأرض دوراتها
وصارت خطوط يديه جداول
تذوب في جسد الأرض عطر البساتين تسقي تراب الخمائل
وصارت خطوط يديه انبهار الفصول، انبهار أساطير بابل
عشقناه تموز!
عشقناه تموز ينفض تل الرماد ويمنح ليلاتنا
شمسه الذهبيه
(أخبئ ما يثقل النفس، شجرة حزني على ضفة الحلم تنمو وتكبر
يطاردني الظل، آه... لماذا
لماذا يفتح في ظهر تموز جرح ويلمع خنجر؟!)
الكوكب الأرضي
هذا الكوكب الأرضي
لو بيدي
لو أني أقْدر أن أقْلِبه هذا الكوكبْ
لو أني أملك أن أملأه هذا الكوكبْ
ببذور الحبّْ
فتعرِّش في كلّ الدنيا
أشجار الحبّْ
ويصير الحب هو الدنيا
ويصير الحب هو الدربْ
رجاءً لا تمُتْ
يا أخا الروحِ رجاءً لا تمُتْ
أو فخُذْ روحي معك
ليتني أحمِلُ عن قلبكَ ما
يوجع قلبك
لو ترى كم رفع القلبُ إلى اللّه
صلاة القلب كي يشفي بروح منه جُرحَك
يا أخا الروح رجاءً لا تمُتْ
أنشودةٌ للحبِّ
كان وراء البنت الطفلةِ
عشرةُ أعوامْ
حين دعته بصوتٍ مخنوقٍ بالدمعِ:
حنانك خذني
كن لي أنت الأبَ
كن لي الأمّ
وكن لي الأهلْ
وحدي أنا
لا شيء أنا
أنا ظلّ
وحدي في كون مهجور
فيه الحبّ تجمّدْ
فيه الحسّ تبلّدْ
وفي مساء السبت الثاني عشر من شهر ديسمبر عام 2003 ودعت فدوى طوقان الدنيا عن عمر يناهز السادسة والثمانين عامًا قضتها مناضلة بكلماتها وأشعارها في سبيل حرية فلسطين، وكُتب على قبرها قصيدتها المشهورة: (كفاني أموت عليها وأدفن فيها):
وتحت ثراها أذوب وأفنى
وأبعث عشبًا على أرضها
وأبعث زهرة إليها
تعبث بها كف طفل نمته بلادي
كفاني أظل بحضن بلادي
ترابًا، ‌وعشبًا‌ ، وزهرةً

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى